1- سورة " الشورى " هي السورة الثانية والأربعون في ترتيب المصحف ، وكان نزولها بعد نزول سورة " فصلت " . وعدد آياتها ثلاث وخمسون آية .
وتسمى –أيضا- سورة [ حم عسق ] ، لافتتاحها بذلك .
والرأي الصحيح أن سورة [ الشورى ] من السور المكية الخالصة . وقيل هي مكية إلا أربع آيات منها تبدأ من قوله –تعالى- : [ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ] .
ولكن هذا القيل لا يعتمد على دليل صحيح ، بل الصحيح أن السورة كلها مكية .
2- وتبدأ سورة الشورى ببيان أن الله –تعالى- قد أوحى إليه نبيه صلى الله عليه وسلم كما أوحى إلى غيره من الأنبياء ، وببيان مظاهر قدرته –عز وجل- ، وأنه –تعالى- قادر على أن يجعل الناس أمة واحدة .
قال –تعالى- : [ ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ، ولكن يدخل من يشاء في رحمته ، والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ] .
3- وبعد أن أنكر –سبحانه- على المشركين إشراكهم ، وساق الأدلة على بطلان هذا الشرك ، وأمر بالرجوع إلى حكم الله –تعالى- فيما اختلفوا فيه .
بعد كل ذلك بين –سبحانه- أن الشريعة التي جاء بها الأنبياء واحدة في جوهرها ، وأن تفرق الناس في عقائدهم ، مرجعه إلى بغيهم وأهوائهم .
قال –تعالى- : [ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ، والذي أوحينا إليك ، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ، الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ] .
4- ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن مظاهر نعم الله –تعالى- على عباده ، عن طريق ما أودع فيهم من عقول : وما أنزله لهم من شرائع ، وما حباهم به من أرزاق . . . ووبخت الكافرين على كفرهم مع كل هذه النعم التي أنعم بها عليهم ، وبينت ما سيكونون عليه يوم القيامة من حسرة وندامة ، وما سيكون عليه المؤمنون الصادقون من فرح وحبور .
قال –تعالى- : [ ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ، ذلك هو الفضل الكبير . ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ، إن الله غفور شكور ] .
5- ثم واصلت السورة حديثها عن مظاهر قدرة الله –تعالى- وعن ألوان نعمه على خلقه ، فتحدثت عن فضله –تعالى- في قبوله لتوبة التائبين ، وعفوه عن سيئاتهم ، وإجابته لدعائهم وإنزاله الغيث عليهم من بعد قنوطهم وبأسهم ، وخلقه السموات والأرض وما فيها من أجل مصلحة الناس ومنفعتهم ، ورعايته لهم وهم في سفنهم داخل البحر .
قال –تعالى- : [ ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام . إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره ، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ] .
6- ثم بين –سبحانه- صفات المؤمنين الصادقين ، وأثنى عليهم ثناء عاطرا ، يحمل العقلاء على الاقتداء بهم ، وعلى التحلي بصفاتهم .
قال –سبحانه- : [ والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ، وإذا ما غضبوا هم يغفرون . والذين استجابوا لربهم ، وأقاموا الصلاة ، وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون . والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ، وجزاء سيئة سيئة مثلها ، فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين . ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ] .
7- وكعادة القرآن في المقارنة بين عاقبة الأشرار وعاقبة الأخيار ، أتبع القرآن هذه الصفات الكريمة للمؤمنين . ببيان الأحوال السيئة التي سيكون عليها الظالمون يوم القيامة . ودعتهم إلى الدخول في الدين الحق من قبل فوات الأوان .
قال –تعالى- : [ استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ، مالكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير ] .
8- ثم ختم –سبحانه- السورة الكريمة ببيان جانب من مظاهر فضله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال :
[ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض . ألا إلى الله تصير الأمور ] .
9- ومن هذا العرض الإجمالي لآيات سورة الشورى . نراها زاخرة بالحديث عن الأدلة على وحدانية الله –تعالى- وقدرته ، وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله –تعالى- .
كما نراها زاخرة –أيضا- بالحديث عن نعم الله على عباده ، وعن حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء عاقبة المكذبين وعن مشاهد يوم القيامة وما فيه من أهوال . وعن شبهات المشركين والرد عليها بما يدحضها .
سورة " الشورى " من السور التى افتتحت ببعض حروف التهجى ، وقد سبق أن ذكرنا أن أقرب الأقوال الى الصواب فى المقصود بهذه الحروف ، أنها وردت فى افتتاح بعض السور على سبيل الإِيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن .
فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك المعارضين فى أن القرآن من عند الله : هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم فى شك من أنه منزل من عند الله ، فهاتوا مثله أو عشر سور من مثله ، أو سور من مثله . . فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - :
وقد ذكر بعض المفسرين عند تفسيره لهذه السورة آثارا واهية ، رأينا أن نذكر بعضها للتنبيه على سقوطها .
قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : وقد روى الإِمام ابن جرير ها هنا أثرا غريبا عجيبا منكرا ، فقال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال له - وعنده حذيفة ابن اليمان - أخبرنى عن تفسير قول الله - تعالى - : { حما عاساقا } . فأطرق ابن عباس ثم أعرض عنه .
فقال حذيفة للرجل : أنا أنبئك بها ، قد عرفتُ لم كرهها ؟ نزلت فى رجل من أهل بيته يقال له : " عبد الإِله " أو عبد الله ، ينزل على نهر من أنهار الشرق ، تبنى عليه مدينتان ، يشق النهر بينهما شقا . فإذا أذن الله فى زوال ملكهم . . بعث الله على إحداهما نارا ليلا . . ثم بخسف الله - تعالى - بالأخرى فذلك قوله { حما عاساقا } .
يعنى : عزيمة من الله وفتنة وقضاء حُمَّ { حما } ، وعين ، يعنى عدلا منه ، وسين : يعنى سيكون ، وق ، يعنى : واقع بهاتين المدينتين . .
اشتهرت تسميتها عند السلف حم عسق ، وكذلك ترجمها البخاري في كتاب التفسير والترمذي في جامعه ، وكذلك سميت في عدة من كتب التفسير وكثير من المصاحف .
وتسمى سورة الشورى بالألف واللام كما قالوا سورة المؤمن ، وبذلك سميت في كثير من المصاحف والتفاسير ، وربما قالوا سورة شورى بدون ألف ولام حكاية للفظ القرآن .
وتسمى سورة عسق بدون لفظ حم لقصد الاختصار .
ولم يعدها في الإتقان في عداد السور ذات الاسمين فأكثر . ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في تسميتها .
وهي مكية كلها عند الجمهور ، وعدها في الإتقان في عداد السور المكية ، وقد سبقه إلى ذلك الحسن بن الحصار في كتابه في الناسخ والمنسوخ كما عزاه إليه في الإتقان .
وعن ابن عباس وقتادة استثناء أربع آيات أولاها قوله { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } إلى آخر الأربع الآيات .
وعن مقاتل استثناء قوله تعالى { ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا } إلى قوله { إنه عليم بذات الصدور } . رؤي أنها نزلت في الأنصار وهي داخلة في الآيات الأربع التي ذكرها ابن عباس . وفي أحكام القرآن لابن الفرس عن مقاتل : أن قوله تعالى { ولو بسط الله الرزق لعباده } الآية نزل في أهل الصفة فتكون مدنية ، وفيه عنه أن قوله تعالى { والذين أصابهم البغي هم ينتصرون } إلى قوله { ما عليهم من سبيل } نزل بالمدينة .
نزلت بعد سورة الكهف وقبل سورة إبراهيم وعدت التاسعة والستين في ترتيب نزول السور عند الجعبري المروي عن جابر بن زيد . وإذا صح أن آية { وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا } نزلت في انحباس المطر عن أهل مكة كما قال مقاتل تكون السورة نزلت في حدود سنة ثمان بعد البعثة ، ولعل نزولها استمر إلى سنة تسع بعد أن آمن نقباء الأنصار ليلة العقبة فقد قيل : إن قوله { والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم } أريد به الأنصار قبل الهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .
وعدت آيها عند أهل المدينة ومكة والشام والبصرة خمسين ، وعند أهل الكوفة ثلاثا وخمسين .
أول أغراضها الإشارة إلى تحدي الطاعنين في أن القرآن وحي من الله بأن يأتوا بكلام مثله ، فهذا التحدي لا تخلو عنه السور المفتتحة بالحروف الهجائية المقطعة ، كما تقدم في سورة البقرة .
واستدل الله على المعاندين بأن الوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم ما هو إلا كالوحي إلى الرسل من قبله لينذر أهل مكة ومن حولها بيوم الحساب .
وأن الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض لا تعارض قدرته ولا يشك في حكمته ، وقد خضعت له العوالم العليا ومن فيها وهو فاطر المخلوقات فهو يجتبي من يشاء لرسالته فلا بدع أن يشرع للأمة المحمدية من الدين مثل ما شرع لمن قبله من الرسل ، وما أرسل الله الرسل إلا من البشر يوحي إليهم فلم يسبق أن أرسل ملائكة لمخاطبة عموم الناس مباشرة .
وأن المشركات بالله لا حجة لهم إلا تقليد أئمة الكفر الذين شرعوا لهم الإشراك وألقوا إليهم الشبهات .
وحذرهم يوم الجزاء واقتراب الساعة وما سيلقى المشركون يوم الحساب من العذاب مع إدماج التعريض بالترغيب فيما سيلقاه المؤمنون من الكرامة ، وأنهم لو تدبروا لعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي عن الله من تلقاء نفسه لأن الله لا يقره على أن يقول عليه ما لم يقله .
وذكرت دلائل الوحدانية وما هو من تلك الآيات نعمة على الناس مثل دليل السير في البحر وما أوتيه الناس من نعم الدنيا .
وتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله هو متولي جزاء المكذبين وما على الرسول صلى الله عليه وسلم من حسابهم من شيء فما عليه إلا الاستمرار على دعوتهم إلى الحق القويم . ونبههم إلى أنه لا يبتغي منهم جزاء على نصحه لهم وإنما يبتغي أن يراعوا أواصر القرابة بينه وبينهم .
وذكرهم نعم الله عليهم ، وحذرهم من التسبب في قطعها بسوء أعمالهم ، وحرضهم على السعي في أسباب الفوز في الآخرة والمبادرة إلى ذلك قبل الفوات ، فقد فاز المؤمنون المتوكلون ، ونوه بجلائل أعمالهم وتجنبهم التعرض لغضب الله عليهم .
وتخلل ذلك تنبيه على آيات كثيرة من آيات انفراده تعالى بالخلق والتصرف المقتضي إنفراده بالإلهية إبطالا للشرك .
وختمها بتجدد المعجزة الأمية بأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءهم بهدى عظيم من الدين وقد علموا أنه لم يكن ممن تصدى لذلك في سابق عمره وذلك أكبر دليل على أن ما جاء به أمر قد أوحي إليه به فعليهم أن يهتدوا بهديه فمن اهتدى بهديه فقد وافق مراد الله .
وختم ذلك بكلمة جامعة تتضمن التفويض إلى الله وانتظار حكمه وهي كلمة { ألا إلى الله تصير الأمور } .
ابتدئت بالحروف المقَطَّعة على نحو ما ابتدئت به أمثالها مثل أول سورة البقرة لأن ابتداءها مشير إلى التحدّي بعجزهم عن معارضة القرآن وأن عجزهم عن معارضته دليل على أنه كلام منزل من الله تعالى .
وخصت بزيادة كلمة { عسق } على أوائل السور من آل { حم } ولعل ذلك لحال كانوا عليه من شدّة الطعن في القرآن وقت نزول هذه السورة ، فكان التحدي لهم بالمعارضة أشد فزيد في تحدّيهم من حروف التهجّي . وإنّما لم تُوصل الميم بالعين كما وصلت الميم بالراء في طالعة سورة الرعد ، وكما وصلت الميم بالصاد في مفتتح سورة الأعراف ، وكما وصلت العين بالصاد في مفتتح سورة مريم ، لأن ما بعد الميم في السور الثلاث حرف واحد فاتصاله بما قبله أولى بخلاف ما في هذه السورة فإنه ثلاثة حروف تشبه كلمة فكانت أولى بالانفصال .