التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (5)

وبعد أن بين - سبحانه - ما يدل على وحدانيته وقدرته عن طريق خلقه للسموات والأرض وللإِنسان ، أتبع ذلك ببيان أدلة وحدانيته وقدرته عن طريق خلق الحيوان فقال - تعالى - : { والأنعام خَلَقَهَا ، لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ ، وَمَنَافِعُ ، وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } .

والأنعام : جمع نعم ، وهى الإِبل والبقر والغنم ، وقد تطلق على الإِبل خاصة .

وانتصب الأنعام عطفا على الانسان فى قوله : { خَلَقَ الإنسان مِن نُّطْفَةٍ } ، أو هو منصوب بفعل مقدر يفسره المذكور بعده . أى : وخلق الأنعام خلقها .

والدفء : السخونة . ويقابله شدة البرد ، يقال : دَفِئَ الرجل - من باب طرب - فهو دَفَأً - كتعب - ودفآن ، إذا لبس ما يدفئه ، ويبعد عنه البرد .

والمراد بالدفء هنا : ما يتخذ من أصواف الأنعام وأوبارها وأشعارها لهذا الغرض .

وعطف { منافع } على { دفء } من باب عطف العام على الخاص ، إذ المنافع تشمل ما يستدفأ به منها وغيره .

وخص الدفء بالذكر من عموم المنافع ، للعناية به وللتنويه بأهميته فى حياة الناس .

أى : ومن مظاهر نعم الله - تعالى - عليكم - أيها الناس - ، أن الله - تعالى - خلق الأنعام ، وجعل لكم فيها ما تستدفئون به ، من الثياب المأخوذة من أصوافها وأوبارها وأشعارها ، فتقيكم برودة الجو وجعل لكم فيها منافع متعددة ، حيث تتخذون من ألبانها شرابا سائغا للشاربين ، ومن لحومها أكلا نافعا للآكلين .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (5)

{ والأنعام } الإبل والبقر والغنم وانتصابها بمضمر يفسره . { خلقها لكم } أو بالعطف على الإنسان ، وخلقها لكم بيان ما خلقت لأجله وما بعده تفصيل له . { فيها دفء } ما يدفأ به فيقي البرد . { ومنافع } نسلها ودرها وظهورها ، وإنما عبر عنها بالمنافع ليتناول عوضها . { ومنها تأكلون } ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم والألبان ، وتقديم الظرف للمحافظة على رؤوس الآي ، أو لأن الأكل منها هو المعتاد المعتمد عليه في المعاش ، وأما الأكل من سائر الحيوانات المأكولة فعلى سبيل التداوي أو التفكه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (5)

{ الأنعام } الإبل والبقر والغنم وأكثر ما يقال نعم وأنعام للإبل ، ويقال للمجموع ، ولا يقال للغنم مفردة ، ونصبها إما عطف على { الإنسان } [ النحل : 4 ] وإما بفعل مقدر وهو أوجه{[7246]} ، و «الدفء » السخانة{[7247]} وذهاب البرد بالأكسية ونحوها ، وذكر النحاس عن الأموي أنه قال : الدفء في لغة بعضهم تناسل الإبل .

قال القاضي أبو محمد : وقد قال ابن عباس : نسل كل شيء ، وقد قال ابن سيده : «الدفء » نتاج الإبل وأوبارها والانتفاع بها ، والمعنى الأول هو الصحيح ، وقرأ الزهري وأبو جعفر «دفء » بضم الفاء وشدها وتنوينها{[7248]} ، و «المنافع » ألبانها وما تصرف منها ودهونها وحرثها والنضح عليها وغير ذلك ، ثم ذكر «الأكل » الذي هو من جميعها .


[7246]:قال الفراء: "نصبت ب[خلقها] لما كانت في [الأنعام] واو، وكذلك كل فعل عاد على اسم بذكره وقبل الاسم واو أو كلام يحتمل نقلة الفعل إلى ذلك الحرف الذي قبل الاسم ففيه وجهان: الرفع والنصب ، أما النصب فأن تجعل الواو ظرفا للفعل، والرفع أن تجعل الواو ظرفا للاسم الذي هي معه، ومثله {والقمر قدرناه منازل}، {والسماء بنيناها بأيد}. وقرأ علي بعض العرب من سورة يس {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} رفعا، قرأها غير مرة". و معنى ذلك أنه يجوز رفع [الأنعام] ، وقد قرىء بذلك في الشاذ، قاله أبو حيان في البحر.
[7247]:السخانة والسخونة مصدران للفعل سخن (بضم الخاء). راجع اللسان.
[7248]:قال أبو الفتح عثمان بن جني: "خفف بأن حذف الهمزة، وألقى حركتها على الفاء قبلها، كقولك في مسألة: مسلة، و في يزئر: يزر". وزاد أبو حيان الأندلسي على ذلك فقال: "ثم شدد الفاء إجراء للوصل مجرى الوقف إذ يجوز تشديدها في الوقف". وقرأ زيد بن علي مثل قراءة الزهري ولكن بدون تنوين.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (5)

يجوز أن يعطف { الأنعام } عطف المفرد على المفرد عطفاً على { الإنسان } [ سورة النحل : 4 ] ، أي خلق الإنسان من نطفة والأنعامَ ، وهي أيضاً مخلوقة من نطفة ، فيحصل اعتبار بهذا التكوين العجيب لشبهه بتكوين الإنسان ، وتكون جملة خلقها } بمتعلقاتها مستأنفة ، فيحصل بذلك الامتنان .

ويجوز أن يكون عطف الجملة على الجملة ، فيكون نصب { الأنعام } بفعل مضمر يفسّره المذكور بعده على طريقة الاشتغال . والتقدير : وخلق الأنعام خلقها . فيكون الكلام مفيداً للتأكيد لقصد تقوية الحكم اهتماماً بما في الأنعام من الفوائد ؛ فيكون امتناناً على المخاطبين ، وتعريضاً بهم ، فإنهم كفروا نعمة الله بخلقها فجعلوا من نتاجها لشركائهم وجعلوا لله نصيباً . وأي كفران أعظم من أن يتقرّب بالمخلوقات إلى غير من خلقها . وليس في الكلام حصر على كلا التقديرين .

وجملة { لكم فيها دفء } في موضع الحال من الضمير المنصوب في { خلقها } على كلا التقديرين ؛ إلا أن الوجه الأول تمام مقابلة لقوله تعالى : { خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين } [ سورة النحل : 4 ] من حيث حصول الاعتبار ابتداء ثم التعريض بالكفران ثانياً ، بخلاف الوجه الثاني فإن صريحه الامتنان ، ويحصل الاعتبار بطريق الكناية من الاهتمام .

والمقصود من الاستدلال هو قوله تعالى : { والأنعام خلقها } وما بعده إدماج للامتنان .

و { الأنعام } : الإبل ، والبقر ، والغنم ، والمعز . وتقدم في سورة الأنعام . وأشهر الأنعام عند العرب الإبل ، ولذلك يغلب أن يطلق لفظ الأنعام عندهم على الإبل .

والخطاب صالح لشمول المشركين ، وهم المقصود ابتداء من الاستدلال ، وأن يشمل جميع الناس ولا سيما فيما تضمّنه الكلام من الامتنان .

وفيه التفات من طريق الغيبة الذي في قوله تعالى : { عما يشركون } [ سورة النحل : 3 ] باعتبار بعض المخاطبين .

والدِّفء بكسر الدال اسم لما يتدفّأ به كالمِلْء و الحِمْل . وهو الثياب المنسوجة من أوبار الأنعام وأصوافها وأشعارها تتّخذ منها الخيام والملابس .

فلمّا كانت تلك مادة النسج جعل المنسوج كأنه مظروف في الأنعام .

وخص الدفء بالذكر من بين عموم المنافع للعناية به .

وعطف { منافع } على { دفء } من عطف العام على الخاص لأن أمر الدفء قلّما تستحضره الخواطر .

ثم عطف الأكلُ منها لأنه من ذواتها لا من ثمراتها .