التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّٞ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ} (103)

ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك مقولة أخرى من مقولات المشركين فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ . . . } .

قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : يقول - تعالى - مخبرا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء : إن محمد صلى الله عليه وسلم إنما يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بشر ، ويشيرون إلى رجل أعجمي كان بياعا يبيع عند الصفا ، وربما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء ، وذاك كان أعجمي اللسان ، لا يعرف إلا اليسير من العربية .

وعن عكرمة وقتادة : كان اسم ذلك الرجل : " يعيش " ، وعن ابن عباس : كان اسمه : " بلعام " ، وكان أعجمي اللسان ، وكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده ، فقالوا : إنما يعلمه بلعام ، فأنزل الله هذه الآية .

والمعنى : ولقد نعلم - أيها الرسول الكريم - علما مستمرا لايعزب عنه شيء مما يقوله المشركون في شأنك ، من أنك تتعلم القرآن من واحد من البشر .

قال الألوسي : وإنما لم يصرح القرآن باسم من زعموا أنه يعلمه - عليه الصلاة والسلام - مع أنه أدخل في ظهور كذبهم ، للإِيذان بأن مدار خطئهم ، ليس بنسبته صلى الله عليه وسلم إلى التعلم من شخص معين ، بل من البشر كائنا من كان ، مع كونه صلى الله عليه وسلم معدنا لعلوم الأولين والآخرين .

وقوله - تعالى - : { لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } ، رد عليهم فيما زعموه وافتروه .

والمراد باللسان هنا : الكلام الذي يتكلم به الشخص ، واللغة التي ينطق بها .

وقوله : { يلحدون } ، من الإِلحاد ، بمعنى : الميل . يقال : لحد وألحد ، إذا مال عن القصد ، وسمي الملحد بذلك ؛ لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها .

والأعجمي : نسبة إلى الأعجم : وهو الذي لا يفصح في كلامه ، سواء أكان من العرب أم من العجم . وزيدت فيه ياء النسب على سبيل التوكيد .

والمعنى : لقد كذبتم - أيها المشركون - كذبا شنيعا صريحا ، حيث زعمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه القرآن بشر ، مع أن لغة هذا الإِنسان الذي زعمتم أنه يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم لغة أعجمية ، ولغة هذا القرآن لغة عربية في أعلى درجات البلاغة والفصاحة ، فقد أعجزكم بفصاحته وبلاغته ، وتحداكم وأنتم أهل اللسن والبيان أن تأتوا بسورة من مثله .

فخبروني بربكم ، من أين للأعجمي أن يذوق بلاغة هذا التنزيل وما حواه من العلوم ، فضلا عن أن ينطق به ، فضلا عن أن يكون معلما له ! ! .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّٞ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ} (103)

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء والبهت : أن محمدًا إنما يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بشر ، ويشيرون إلى رجل أعجمي كان بين أظهرهم ، غلام لبعض بطون قريش ، وكان بياعا يبيع عند الصفا ، فربما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء ، وذاك كان أعجمي اللسان لا يعرف العربية ، أو أنه كان يعرف الشيء اليسير بقدر ما يَرُد جواب الخطاب فيما لا بد منه ؛ فلهذا قال الله تعالى رادًا عليهم في افترائهم ذلك : { لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } ، يعني : القرآن ، أي : فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن ، في فَصَاحته وبلاغته ومعانيه التامة الشاملة ، التي هي أكمل من{[16697]} معاني كل كتاب نزل على نبي أرسل ، كيف يتعلم من رجل أعجمي ؟ ! لا يقول هذا من له أدنى مُسْكة{[16698]} من العقل .

قال محمد بن إسحاق بن يَسَار في السيرة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - كثيرًا ما يجلس عند المروة إلى مَبيعة غلام نصراني يقال له : جبر ، عبد لبعض بني الحضرمي ، [ فكانوا يقولون : والله ما يعلم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني ، غلام بن الحضرمي ]{[16699]} فأنزل الله : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ }{[16700]}

وكذا قال عبد الله بن كثير : وعن عِكْرِمة وقتادة : كان اسمه : يعيش .

وقال ابن جرير : حدثني أحمد بن محمد الطوسي ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا إبراهيم بن طَهْمَان ، عن مسلم بن عبد الله الملائي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم قَينًا بمكة ، وكان اسمه بلغام ، وكان أعجمي اللسان ، وكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده ، قالوا : إنما يعلمه بلغام ، فأنزل الله هذه الآية : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ }{[16701]} .

وقال الضحاك بن مزاحم : هو سلمان الفارسي ، وهذا القول ضعيف ؛ لأن هذه الآية مكية ، وسلمان إنما أسلم بالمدينة ، وقال عبيد الله{[16702]} بن مسلم : كان لنا غلامان روميان يقرآن كتابا لهما بلسانهما ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بهما{[16703]} ، فيقوم فيسمع منهما فقال المشركون : يتعلم منهما ، فأنزل الله هذه الآية .

وقال الزهري ، عن سعيد بن المسيب : الذي قال ذلك من المشركين رجل كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فارتد بعد ذلك عن الإسلام ، وافترى هذه المقالة ، قبحه الله ! .


[16697]:في ت: "هي من أكمل".
[16698]:في ت: "مسلة".
[16699]:زيادة من ت، ف، أ، وابن هشام.
[16700]:انظر: السيرة النبوية لابن هشام (1/ 393).
[16701]:تفسير الطبري (14/ 119).
[16702]:في ت، ف: "عبد الله".
[16703]:في أ: "عليهما".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّٞ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ} (103)

وقوله : { ولقد نعلم أنهم يقولون } ، قال ابن عباس : كان في مكة غلام أعجمي لبعض قريش ، يقال له : بلعام ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه ويعلمه الإسلام ويرومه عليه ، فقالت قريش : هذا يعلم محمداً من جهة الأعاجم ، فنزلت الآية بسببه ، وقال عكرمة وسفيان : كان اسم الغلام يعيش ، وقال عبد الله بن مسلم الحضرمي : كان بمكة غلامان ، أحدهما اسمه جبر والآخر يسار ، وكانا يقرآن بالرومية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إليهما ، فقالت قريش ذلك ، ونزلت الآية ، وقال ابن إسحاق : الإشارة إلى جبر ، وقال الضحاك : الإشارة إلى سلمان الفارسي .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، لأن سلمان إنما أسلم بعد الهجرة بمدة ، وقرأت فرقة : «لسان الذي » ، وقرأ الحسن البصري : «اللسان الذي » ، بالتعريف وبغير تنوين في رأي بشر{[7414]} ، وقرأ نافع وابن كثير : «يُلحدون » ، بضم الياء ، من ألحدَ إذا مال ، وهي قراءة أبي عمرو وعاصم وابن عامر وأبي جعفر بن القعقاع ، وقرأ حمزة والكسائي : «يَلحدون » ، بفتح الياء من لحد ، وهي قراءة عبد الله وطلحة وأبي عبد الرحمن والأعمش ومجاهد ، وهما بمعنى ، ومنه قول الشاعر : [ الرمل ]

قدني من نصر الخبيبين قدي . . . ليس أمري بالشحيح الماحد

يريد : المائل عن الجود وحال الرياسة ، وقوله : { أعجمي } ، إضافة إلى أعجم لا إلى العجم ؛ لأنه كان يقول عجمي ، والأعجمي : هو الذي لا يتكلم بالعربية ، وأما العجمي : فقد يتكلم بالعربية ونسبته قائمة{[7415]} ، وقوله : { وهذا } ، إشارة إلى القرآن والتقدير ، وهذا سرد لسان ، أو نطق لسان ، فهو على حذف مضاف ، وهذا على أن يجعل اللسان هنا الجارحة ، و «اللسان » في كلام العرب : اللغة ، ويحتمل أن يراد في هذه الآية ، واللسان الخبر ومنه قول الأعشى : إني أتتني لسان غير كاذبة{[7416]} .

ومنه قول الآخر : [ الوافر ]

لسان السوء يهديها إلينا . . . وجيت وما حسبتك أن تجينا

وحكى الطبري عن سعيد بن المسيب أن الذي ذكر الله : { إنما يعلمه بشر } ، { إنما } هي إشارة إلى كاتب كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم في أواخر الآيات : «والله سميع عليم » ، أو «عزيز حكيم » ، أو نحو هذا ، ثم يشتغل بسماع الوحي ، فيبدل هو بغفور رحيم أو نحوه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الآيات : هو كما كتبت ، ففتن ، وقال أنا أعلم محمداً ، وارتد ولحق بمكة ، ونزلت الآية فيه . قال القاضي أبو محمد : هذا نصراني أسلم وكتب ، ثم ارتد ولحق بمكة ومات ، ثم لفظته الأرض ، وإلا فهذا القول يضعف ؛ لأن الكاتب المشهور الذي ارتد لهذا السبب ولغيره من نحوه هو عبد الله بن أبي سرح العامري ، ولسانه ليس بأعجمي فتأمله .


[7414]:قال ابن جني: "ليس قوله: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي} جملة في موضع الصفة ل[بشر]، ألا تراها خالية من ضميره؟ ولأن المعنى أيضا ليس على كونها صفة، و إنما الوقف على قوله: [بشر]، ثم استأنف الله تعالى القول ردا عليهم.
[7415]:أعجمي: من أعجم بمنزلة أحمري من أحمر، وأشقري من أشقر، وكلابي من كلاب، قاله أبو عثمان بن جني في المحتسب، وقال: إن العجمي هو المنسوب للعجم وإن كان فصيحا، ألا ترى أن سيبويه كان عجميا وإن كان لسانه العربية.
[7416]:هذا صدر بيت للاعشى باهلة، قال ذلك (اللسان)، والبيت بتمامه على رواية اللسان: إني أتتني لسان لا أسر بهـــــــــا من علو لا عجب منها ولا سخر. قال: قد يكنى باللسان عن الكلمة فيؤنث حينئذ، وقال ابن بري: اللسان هنا: الرسالة والمقالة، ومثله: أتتني لسان بني عامــــــــر أحــاديثها بعد قول نكر
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّٞ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ} (103)

عطف على جملة { وإذا بدلنا آية مكان آية } [ سورة النحل : 101 ] . وهذا إبطال لتلبيس آخر مما يلبّسون به على عامّتهم ، وذلك أن يقولوا : إن محمداً يتلقّى القرآن من رجل من أهل مكة . قيل : قائل ذلك الوليدُ بن المغيرة وغيره ، قال عنه تعالى : { فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر } [ سورة المدثر : 24 ] ، أي لا يلّقنه مَلَك بل يعلّمه إنسان ، وقد عيّنوه بما دلّ عليه قوله تعالى { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي } .

وافتتاح الجملة بالتأكيد بلام القسم و ( قدْ ) يشير إلى أن خاصة المشركين كانوا يقولون ذلك لعامّتهم ولا يجهرون به بين المسلمين لأنه باطل مكشوف ، وأن الله أطلع المسلمين على ذلك . فقد كان في مكّة غلام روميّ كان مولى لعامر بن الحضرمي اسمه جَبر كان يصنع السيوف بمكّة ويقرأ من الإنجيل ما يقرأ أمثالُه من عامّة النصارى من دعوات الصلوات ، فاتّخذ زعماء المشركين من ذلك تمويهاً على العامة ، فإن معظم أهل مكّة كانوا أمّيين فكانوا يحسبون من يتلو كلمات يحفظها ولو محرّفة ، أو يكتب حروفاً يتعلّمها ، يحسبونه على علم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما جَانبه قومه وقاطعوه يجلس إلى هذا الغلام ، وكان هذا الغلام قد أظهر الإسلام فقالت قريش . هذا يعلّم محمداً ما يقوله .

وقيل : كان غلام رومي اسمه بلعام ، كان عبداً بمكة لرجل من قريش ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف عليه يدعوه إلى الإسلام ، فقالوا : إن محمداً يتعلّم منه ، وكان هذا العبد يقول : إنّما يقف عليّ يعلّمني الإسلام .

وظاهر الإفراد في { إليه } أن المقصود رجل واحد . h وقد قيل : المراد عَبدَان هما جَبر ويَسار كانا قنّين ، فيكون المراد ب { بشر } الجنس ، وبإفراد ضميره جريانه على أفراد معاده .

وقد كشف القرآن هذا اللّبس هنا بأوضح كشف إذ قال قولاً فصلاً دون طول جدال { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين } ، أي كيف يعلّمه وهو أعجميّ لا يكاد يبين ، وهذا القرآن فصيح عربي معجز .

والجملة جواب عن كلامهم ، فهي مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن قولهم : { إنما يعلمه بشر } يتضمنّ أنه ليس منزّلاً من عند الله فيسأل سائل : ماذا جواب قولهم ؟ فيقال : { لِسانُ الذي . . . } الخ ، وهذا النّظم نظير نظم قوله تعالى : { قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالاته } [ سورة الأنعام : 124 ] .

وألْحَد : مثل لَحَد ، أي مال عن القويم . فهو مما جاء من الأفعال مهموز بمعنى المجرد ، كقولهم : أبان بمعنى بان . فمعنى { يلحدون } يميلون عن الحقِّ لأن ذلك اختلاقُ معاذير ، فهم يتركون الحقّ القويم من أنه كلام منزّل من الله إلى أن يقولوا { يعلمه بشر } ، فذلك ميل عن الحقّ وهو إلحاد .

ويجوز أن يراد بالإلحاد الميْل بكلامهم المبهم إلى قَصدٍ معين لأنهم قالوا : { إنما يعلمه بشر } وسكتوا عن تعيينه توسعة على أنفسهم في اختلاق المعاذير ، فإذا وجدوا ساذجاً أبَلْهَ يسأل عن المعني بالبشر قالوا له : هو جَبر أو بَلعام ، وإذا توسّموا نباهة السائل تجاهلوا وقالوا : هو بشر من الناس ، فإطلاق الإلحاد على هذا المعنى مثل إطلاق الميَل على الاختيار .

وقرأ نافع والجمهور { يلحدون } بِضمّ الياءِ مضارع ألحد . وقرأ حمزة والكسائي { يَلحَدون } بِفتح الياءِ من لَحد مرادف أَلحد . وقد تقدّم الإلحاد في قوله تعالى : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } في سورة الأعراف ( 180 ) . وليست هذه الهمزة كقولهم : ألحد الميتَ ، لأن تلك للجعل ذَا لحد .

واللسان : الكلام . سمّي الكلام باسم آلته . والأعجمي : المنسوب إلى الأعجم ، وهو الذي لا يبين عن مراده من كل ناطق لا يفهمون ما يريده . ولذلك سمّوا الدوابّ العجماوات . فالياء فيه ياء النسب . ولما كان المنسوب إليه وصفاً كان النسب لتقوية الوصف .

والمبين : اسم فاعل من أبان ، إذا صار ذا إبِانة ، أي زائد في الإبانة بمعنى الفصاحة والبلاغة ، فحصل تمام التضادّ بينه وبين { لسان الذي يلحدون إليه } .