ولكن الجميع سيعودون إليه - سبحانه - وسيبعثهم يوم القيامة من قبورهم للحساب والجزاء ، كما قال - تعالى - : { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } .
و " { إن } حرف نفى ، و { كل } مبتدأ ، والتنوين فيه عوض عن المضاف إليه و { لما } بمعنى إلا . و { جميع } خبر المبتدأ . و { محضرون } خبر ثان .
أى : لقد علم أهل مكة وغيرهم أننا أهلكنا كثيرا من القرى الظالم أهلها . وأن هؤلاء المهلكين لن يرجعوا إلى أهل مكة فى الدنيا ، ولكن الحقيقة التى لا شك فيها أنه ما من أمة من الأمم ، أو جماعة من الجماعات المتقدمة أو المتأخرة إلا ومرجعها إلينا يوم القيامة ، لنحاسبها على أعمالها ، ولنجازيها بالجزاء الذى تستحقه .
كما قال - سبحانه - فى آية أخرى : { وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } .
وقوله : { وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } أي : وإن جميع الأمم الماضية والآتية ستحضر للحساب يوم القيام بين يدي الله ، عز وجل ، فيجازيهم بأعمالهم كلها خيرها وشرها ، ومعنى هذه كقوله تعالى : { وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } [ هود : 111 ] .
وقد اختلف القراء في أداء هذا الحرف ؛ فمنهم مَنْ قرأ : { وَإن كل لَمَا } بالتخفيف ، فعنده أن " إن " للإثبات ، ومنهم مَنْ شدد " لَمَّا " ، وجعل " إن " نافية ، و " لمَّا " بمعنى " إلا " تقديره : وما كل إلا جميع لدينا محضرون ، ومعنى القراءتين واحد ، والله أعلم .
وقرأ جمهور الناس :«لما جميع » بتخفيف الميم وذلك على زيادة «ما » للتأكيد ، والمعنى لجميع ، وقرأ الحسن وابن جبير عاصم :«لمّا » بشد الميم ، قالوا هي بمنزلة «إلا »{[1]} ، وقيل المراد «لمما » حذفت الميم الواحدة وفيها ضعف ، وفي حرف أبيّ و «إن منهم إلا جميع » ، و { محضرون } قال قتادة : محشرون يوم القيامة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وإنْ كُلّ لمّا جَميعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ" يقول تعالى ذكره: وإن كل هذه القرون التي أهلكناها والذين لم نهلكهم وغيرهم عندنا يوم القيامة جميعهم محضرون.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وإن كل} يعني الأمم كلها، يقول، والله أعلم: وما كل {لمّا جميع لدينا مُحضَرون} في الآخرة، أو يقول: {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون} أبدا حتى يوم القيامة، وهما واحد.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
إن قلت: كيف أخبر عن كل بجميع ومعناهما واحد؟ قلت: ليس بواحد؟ لأنّ كلاً يفيد معنى الإحاطة، وأن لا ينفلت منهم أحد، والجميع: معناه الاجتماع، وأن المحشر يجمعهم...
لما بين الإهلاك بين أنه ليس من أهلكه الله تركه، بل بعده جمع وحساب وحبس وعقاب، ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحة...
الواو في {وإن كل} لعطف الحكاية على الحكاية، كأنه يقول بينت لك ما ذكرت، وأبين أن كلا لدينا محضرون.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
أشار إلى أنهم يأتون صاغرين راغمين في حالة اجتماعهم كلهم في الموقف لا تناصر عندهم ولا تمانع، وليس أحد منهم غائب بحال التخلف عن الانتصار عليه فقال: {جميع} وأشار إلى غرابة الهيئة التي يجتمعون عليها بقوله: {لدينا} وزاد في العظمة بإبرازه في مظهرها، وعبر باسم الفاعل المأخوذ من المبني للمفعول جامعاً نظراً إلى معنى {كل}؛ لأنه أدل على الجمع في آن واحد وهو أدل على العظمة: {محضرون} أي:في يوم القيامة بعد بعثهم بأعيانهم كما كانوا في الدنيا سواء، إشارة إلى أن هذا الجمع على كراهة منهم، وإلى أنه أمر ثابت لازم دائم، كأنه لعظيم ثباته لم يزل، وأنه لا بد منه، ولا حيلة في التفصي عنه، وأنه يسير لا توقف له غير الإذن، فإذا أذن فعله كل من يؤمر به من الجنود كائناً من كان...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أرى أن عطفه على جملة {أنهم إليهم لا يرجعون} [يس: 31] واقعٌ موقع الاحتراس من توهم المخاطبين بالقرآن أن قوله: {أنهم إليهم لا يرجعون} مؤيد اعتقادهم انتفاء البعث.
و {كُلٌّ} مبتدأ وتنوينه تنوين العوض عما أضيف إليه (كل)، أي كل القرون، أو كل المذكورين من القرون والمخاطبين.
و {جَمِيعٌ} اسم على وزن فعيل، أي مجموع، وهو ضد المتفرق. يقال: جمع أشياءَ كَذا، إذا جعلها متقاربة متصلة بعد أن كانت مشتتة ومتباعدة.
والمعنى: أن كل القرون محضرون لدينا مجتمعين، أي ليس إحضارهم في أوقات مختلفة ولا في أمكنة متعددة؛ فكلمة {كل} أفادت أن الإِحضار محيط بهم بحيث لا ينفلت فريق منهم، وكلمة {جميع} أفادت أنهم محضرون مجتمعين فليست إحدى الكلمتين بمغنية عن ذكر الأخرى، ألا ترى أنه لو قيل: وإن أكثرهم لما جميع لدينا محضرون، لما كان تناف بين « أكثرهم» وبين « جميعهم» أي أكثرهم يحضر مجتمعين؛ فارتفع {جَمِيعٌ} على الخبرية في قراءات تخفيف {لمَا} وعلى الاستثناء على قراءات تشديد {لمَّا}.
و {مُحْضَرُونَ} نعت ل {جَمِيعٌ} على القراءتين. وروعي في النعت معنى المنعوت فألحقت به علامة الجماعة.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.