اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِن كُلّٞ لَّمَّا جَمِيعٞ لَّدَيۡنَا مُحۡضَرُونَ} (32)

قوله : { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ } تقدم في هود{[46089]} تشديد «لمَّا » وتخفيفها والكلام في ذلك ، وقال ابن الخطيب في مناسبة وقوع «لما » المشددة موقع «إلا » : إن لما كأنَّهَا حَرْفا نفي جمعاً وهما : «لَمْ » و «مَا » فتأكد النفي وإلا كأنها حرفا نفي : «إن ولاَ » فاستعمل أحدهما مكان الآخر انتهى{[46090]} . وهذا يجوز أن يكون أخذه من قول الفراء في " إلا " في الاستثناء إنها مركبة من «إنْ ولاَ » إلا أنَّ الفراء جعل " إنْ " مخففة من الثقيلة وجعلها نافية{[46091]} وهو قول ركيك رَدَّهُ عليه النحويون{[46092]} . وقال الفراء أيضاً إنّ لما هذه أصلها لَمْمَا فخففت بالحذف وتقديم هذا كله مُوَضِّحاً .

و «كل » مبتدأ و «جميع » خبره و «مُحْضَرُونَ » خبر ثان لا يختلف ذلك سواء شددت «لما » أم خففتها{[46093]} ، لا يقال : إن جميعاً تأكيد لا خبر ( لأن ){[46094]} «جميعها » هنا فَعِيل بمعنى مفعول أي :مجموعون فكل يدل على الإحاطة والشمول وجميع يدل على الاجتماع فمعناها حمل على لفظها{[46095]} كما في قوله : { جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } [ القمر : 44 ] وقدم «جميع » في الموضعين لأجْل الفَوَاصِل{[46096]} و «لَدَيْنا » متعلق «بمُحْضَرُونَ »{[46097]} . فمن شدد{[46098]} «فلما » بمعنى إلا وإنْ نافية كما تقدم والتقدير : ومَا كُلُّ إلاَّ جميعٌ{[46099]} ، ومن خفَّفَ «فَإنْ » مخففة ( من الثقيلة ) واللام فارقة وما مزيدة{[46100]} . هذا قول البصريين{[46101]} . والكوفيون يقولون : إنَّ «إنْ » نافية واللام بمعنى{[46102]} إلا كما تقدم مراراً .

فصل :

لما بين الإهلاك{[46103]} بين أن من أهْلَكَهُ ليس بتارك له بل بعده جمع وحبس وحساب وعقابٌ ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحةً ونعْمَ ما قال القائل :

4179- ولو أنّا إذا ما متْنَا تُرِكْنَا . . . لَكَانَ المَوْتُ رَاحَة كُلِّ حَيِّ

وَلكِنَّا إِذا مِتْنا بُعِثْنا . . . وَنُسْأَلُ بَعْدَهَا عَنْ كُلِّ شَيِّ

قال الزمخشري : إن قال قائل{[46104]} : «كل وجميع » بمعنى واحد فكيف جعل جميعاً خبراً ل «كلّ » حيث أدخل اللام عليه إذ التقدير :وإن كل لجميعٌ ؟ نقول معنى :«جميع » مجموع ومعنى :«كل » أي كل فرد مجموع مع الآخر مضموم إليه ويمكن أن يقال : «مُحْضَرُونَ » يعني{[46105]} كما{[46106]} ذكره وذلك لأنه لو قال : وإن جميع لجميع محضرون لكان كلاماً صحيحاً . قال ابن الخطيب : ولم يوجد ما ذكره من الجواب بل الصحيح أنَّ مُحْضَرُونَ كالصفة للجمع فكأنه قال :جميعٌ جميعٌ{[46107]} محضرون كما نقُول : الرجلُ رجلٌ عالم والنبيُّ نبيُّ مرسل . والواو في «وَإنْ كُلّ » يعطف على الحكاية كأنه يقول : بَيَّنْتُ لك ما ذكرت وأبين أن كُلاًّ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ{[46108]} .


[46089]:عند قوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} من الآية 111 وبين هناك أن نافعا وابن كثير وأبا عمرو والكسائي قرأوا بتشديد: "لما" والباقون بالتخفيف وشدد "إن" ابن عامر وحفص وحمزة وخفف "إن" نافع وابن كثير، وشددها وحدها أبو عمرو والكسائي وقرأ الزهري وسليمان بن أرقم وأن كلا لما بتنوين كل ولما بمعنى وإن كلا ملمومين أي مجموعين. وقرأ أبي: وإن كل لما على أن إن نافية ولما بمعنى إلا. وكما قرىء: وإن كلا تخفيف إن من الثقيلة، ونست لأبي وإن كل لما بتخفيف الميم وفتح الكاف.
[46090]:تفسيره 26/64 و 65.
[46091]:وهو أحد وجهيه في المعاني 2/377 في تشديد وتخفيف "لما" قال: والوجه الآخر من التثقيل أن يجعلوا "لما" بمنزلة إلا مع "إن" خاصة فتكون في مذهبها بمنزلة إنما إذا. وضمت في معنى إلا كأنها "لم" ضمت إليها"ما" فصارا جميعا استثناء وخرجتا من حد الجحد. ثم يقول: ونرى أن قول العرب "إلا" إنما جمعوا بين "إن" التي تكون جحدا –أي نفيا- وضموا إليها "لا" فصارا جميعا حرفا واحدا وخرجا من حد الجحد إذ جمعتا فصارتا حرفا واحدا.
[46092]:وجدت في المغني لابن هشام 282 قولا بهذا المعنى ولم يعقب عليه، قال: وأما قراءة أبي بكر بتخفيف "إن" وتشديد "لما" فتحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون مخففة من الثقيلة ويأتي في "لما" تلك الأوجه. والثاني: أن تكون إن نافية و "كل" مفعول بإضمار أرى وما بمعنى إلا. وقد قال الفراء: "وأما من شدد لما فإنه- والله أعلم- أراد لمن ما ليوفينهم- هود آية 111- فلما اجتمعت ثلاث ميمات حذفت واحدة فبقيت اثنتان" المعاني 2/29، وقال في تلك السورة: " وإن كل لمن ما جميع ثم حذفت إحدى الميمات لكثرتها". المعاني 2/377.
[46093]:قاله السمين في الدر 4/513.
[46094]:سقط من نسخة "ب" .
[46095]:هذا قول الزمخشري في الكشاف مع تغيير في بعض الكلم بالزيادة والتوضيح 300/321.
[46096]:البحر المحيط 7/334 والدر المصون 4/513.
[46097]:السابق.
[46098]:التشديد لحفص وابن عامر وعاصم. وهي سبعية متواترة. الإتحاف 364 والسبعة 339و 340.
[46099]:قاله ابن الأنباري في البيان 2/294 والنحاس في الإعراب 3/393 نقلا عن سيبويه ومكي في المشكل 2/225 وأبو البقاء في التبيان 716 والزمخشري في الكشاف 3/321 وأبو حيان في البحر 7/34.
[46100]:فكل مبتدأ وجميع الخبر وانظر: المشكل 2/225 والإعراب 4/393 والبيان 2/294 والكشاف 3/ والتبيان 716 والبحر 7/334.
[46101]:انظر: المراجع السابقة.
[46102]:قال أبو إسحاق الزجاج في المعاني 4/286: من قرأ بالتخفيف "لما" فما زائدة مؤكدة والمعنى إن كل لجميع لدينا محضرون ومعناه: وما كل إلا جميع لدينا. ويقرأ لما بالتشديد ومعنى ههنا إلا، تقول:"سألتك لما فعلت". وقد نقلت رأي الفراء منذ قليل من المعاني 2/376 و377. وقد صرح الفراء في مكان آخر بأن اللام قد تكون بمعنى إلا فقال: ومعنى إن ضربت لزيدا كمعنى قولك: " ما ضربت إلا زيدا". انظر: المعاني 2/395.
[46103]:الرازي 26/65.
[46104]:الكشاف 3/321.
[46105]:في "ب" يغني.
[46106]:في "ب" عما ذكره.
[46107]:كذا هنا جمع جميع وفي الرازي: جميع جميع.
[46108]:السابق.