التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ} (10)

{ إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ . . . . } .

الوقود - بفتح الواو - هو ما توقد به النار كالحطب وغيره . وأصله من وقدت النار تقد إذا اشتعلت . والوقود - بضم الواو - المصدر عند أكثر اللغوين .

والمعنى : إن الذين كفروا بالحق لما جاءهم ، وعموا وصموا عن الاستجابة له ، لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم يوم القيامة ، ولن تدفع عنهم شيئا من عذاب الله الذي استحقوه بسبب كفرهم ، واغترارهم بكثرة المال ، وعزة النفر ، وقوة العصبية وقد أكد - سبحانه - هذا الحكم ردا على مزاعمهم الباطلة من أن ذلك سينفعهم فقد حكى القرآن عنهم أنهم قالوا : { نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } فبين - سبحانه - أنه بسبب كفرهم الذى أصروا عليه ، لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم أي نفع من وقوع عذاب الله عليهم .

ومن في قوله { مِّنَ الله } لابتداء الغاية و { شَيْئاً } منصوب على المصدرية . أي شيئا من الاغناء . أو النفع ، لأن الذى ينفع الناس يوم القيامة إنما هو إيمانهم وعملهم الصالح .

والإشارة في قوله { وأولئك هُمْ وَقُودُ النار } لأولئك الكافرين الذين غرهم بالله الغرور . أى : وأولئك الكافرون الذين اغتروا بأموالهم وأولادهم ولم يعيروا أسماعهم أي التفات إلى الحق هم وقود النار أي حطبها . أي أن النار يشتد اشتعالها فيهم حتى لكأنهم هم مادتها التي بها تتقد وتشتعل .

وجىء بالإشارة في قوله { وأولئك } لاستحضارهم في الأذهان حتى لكأنهم بحيث يشار إليهم ، وللتنبيه على أنهم أحرياء بما سيأتي من الخبر وهو قوله { هُمْ وَقُودُ النار } . وكانت الاشارة للبعيد ، للإشعار بغلوهم في الكفر ، وانغماسهم فيه إلى منتهاه ، ولذلك كانت العقوبة شديدة .

وقوله { وأولئك } مبتدأ ، وهم ضمير فصل والخبر قوله : { وَقُودُ النار } والجملة مستأنفة مقررة لعدم الإغناء . وفي هذا التذييل تهديد شديد للكفار الذين اغتروا بأموالهم وأولادهم ببيان أن ما اغتروا به لن يحول بينهم وبين الخلود في النار .

قال الفخر الرازي ما ملخصه : اعلم أن كمال العذاب هو أن يزول عن الإنسان كل ما كان منتفعا به . ثم يجتمع عليه جميع الأسباب المؤلمة .

أما الأول فهو المراد بقوله { لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ الله شَيْئاً } وذلك لأن المرء عند الخطوب والنوائب في الدنيا يفزع إلى المال والولد . فبين الله - تعالى - أن صفة ذلك اليوم مخالفة لصفة الدنيا . ونظير هذه الآية قوله - تعالى - { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } وأما القسم الثاني من أسباب العذاب فهو أن يجتمع عليه الأسباب المؤلمة ، وإليه الإشارة بقوله : { وأولئك هُمْ وَقُودُ النار } وهذا هو النهاية في العذاب ، فإنه لا عذاب أزيد من أن تشتعل النار فيهم كاشتعالها في الحطب اليابس .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ} (10)

يخبر تعالى عن الكفار أنهم وقود النار ، { يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [ غافر : 52 ] وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله ، ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه ، بل كما قال تعالى : { وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [ التوبة : 85 ] وقال تعالى : { لا{[4815]} يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } [ آل عمران : 196 : 197 ] كما قال هاهنا : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي : بآيات الله وكذبوا رسله ، وخالفوا كتابه ، ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه { لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ } أي : حطبها الذي تسجر به وتوقد به ، كقوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ] }{[4816]} [ الأنبياء : 98 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي مريم ، أخبرنا ابن لَهِيعة ، أخبرني ابن الهاد ، عن هند بنت الحارث ، عن أم الفضل أم عبد الله بن عباس قالت : بينما نحن بمكة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ، فقال{[4817]} هل بلغت ، اللهم هل بلغت . . . " ثلاثًا ، فقام عمر بن الخطاب فقال : نعم . ثم أصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليظهرن الإسلام حتى يرد الكفر إلى مواطنه ، وَلَتَخُوضُنَّ{[4818]} البحار بالإسلام ، وليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ويقرؤونه ، ثم يقولون : قد قرأنا وعلمنا ، فمن هذا الذي هو خير منا ، فهل في أولئك من خير ؟ " قالوا : يا رسول الله ، فمن أولئك ؟ قال : " أولئك منكم{[4819]} وأولئك هم وقود النار " . وكذا رأيته بهذا اللفظ .

وقد رواه ابن مردويه من حديث يزيد بن عبد الله بن الهاد ، عن هند بنت الحارث ، امرأة عبد الله بن شداد ، عن أم الفضل ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة بمكة فقال : " هل بلغت " يقولها ثلاثا ، فقام عمر بن الخطاب - وكان أوَّاها - فقال : اللهم نعم ، وحرصتَ وجهدتَ ونصحتَ فاصبر . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليظهرن الإيمان حتى يردّ الكفر إلى مواطنه ، وليخوضنّ رجال البحار بالإسلام{[4820]} وليأتين على الناس زمان يقرؤون القرآن ، فيقرؤونه ويعلمونه ، فيقولون : قد قرأنا ، وقد علمنا ، فمن هذا الذي هو خير منا ؟ فما في أولئك من خير " قالوا : يا رسول الله ، فمن أولئك ؟ قال : " أولئك منكم ، وأولئك هم وقود النار " {[4821]} ثم رواه من طريق موسى بن عبيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن بنت الهاد ، عن العباس بن عبد المطلب بنحوه .


[4815]:في جـ، ر: "ولا" وهو خطأ.
[4816]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[4817]:في أ، و: "فنادى".
[4818]:في أ: ": وليخوضن".
[4819]:في جـ، أ، و: منهم".
[4820]:في جـ: "بإسلامهم".
[4821]:تفسير ابن أبي حاتم (2/90) وفيه ابن لهيعة، وقد توبع، تابعه عبد العزيز بن أبي حازم عن يزيد بن الهاد به. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/250) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (1/186) "رجاله ثقات، إلا أن هند بنت الحارث الخثعمية التابعية لم أر من وثقها ولا من جرحها".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ} (10)

{ إن الذين كفروا } عام في الكفرة . وقيل : المراد به وفد نجران ، أو اليهود ، أو مشركوا العرب . { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا } أي من رحمته ، أو طاعته على معنى البدلية ، أو من عذابه { وأولئك هم وقود النار } حطبها . وقرئ بالضم بمعنى أهل وقودها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ} (10)

هم الكفار الذين لا يقرون ببعث إنما هي على وجه الدهر وإلى يوم القيامة في زينة الدنيا وهي المال والبنون ، فأخبر الله تعالى في هذه الآية ، أن ذلك المتهم فيه لا يغني عن صاحبه شيئاً ولا يمنعه من عذاب الله وعقابه ، و { من } في قوله : { من الله } لابتداء الغاية ، والإشارة بالآية إلى معاصري النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يفخرون بأموالهم وأبنائهم ، وهي - بعد - متناولة كل كافر ، وقرأ أبو عبد الرحمن{[2979]} : «لن يغني » بالياء ، على تذكير العلامة ، والوقود بفتح الواو ما يحترق في النار من حطب ونحوه ، وكذلك هي قراءة جمهور الناس ، وقرا الحسن ومجاهد وجماعة غيرهما { وُقُود } بضم الواو وهذا على حذف مضاف تقديره ، حطب { وقود النار } ، والوقود بضم الواو المصدر ، وقدت النار تقد إذا اشتعلت ، والدأْب والدأَب ، بسكون الهمزة وفتحها ، مصدر دأب يدأب - إذا لازم فعل شيء ودام عليه مجتهداً فيه ، ويقال للعادة - دأب - فالمعنى في الآية ، تشبيه هؤلاء في لزومهم الكفر ودوامهم عليه بأولئك المتقدمين ، وآخر الآية يقتضي الوعيد بأن يصيب هؤلاء مثل ما أصاب أولئك من العقاب .


[2979]:- هو محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري الصوفي الأزدي السلمي-أبو عبد الرحمان-. أخذ عن أبي العباس الأصم، وأحمد بن محمد بن عبدوس، وأحمد بن المؤمل وخلق كثير، وعنه أخذ القشيري، والبيهقي، وأبو صالح المؤذن، وغيرهم، صنّف للصوفية سننا وتفسيرا وتاريخا، وبلغ فهرست تصانيفه المائة أو أكثر، وكتب الحديث. ولد سنة: 330هـ، وتوفي سنة: 412هـ. "تذكرة الحفاظ للذهبي 1046/3"، قال الخطيب: محله كبير، وكان مع ذاك صاحب حديث مجودا. (نفس المصدر).