التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ} (28)

ثم بين - سبحانه - مظهرا من مظاهر علمه الشامل ، وحكمه النافذ ، فقال { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ . . . } أى : يعلم - سبحانه - أحوالهم كلها صغيرها وكبيرها ، متقدمها ومتأخرها ، { وَلاَ يَشْفَعُونَ } لأحد من خلقه إلا لمن ارتضى الله - تعالى - شفاعتهم له .

{ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } أى : وهم لخوفهم من الله ومن عقابه حذرون وجلون .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف الملائكة فى هذه الآيات بجملة من الصفات الكريمة التى تدل على طاعتهم المطلقة لله - تعالى - وعلى إكرامه - سبحانه - لهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ} (28)

وهو تعالى عِلْمه محيط بهم ، فلا يخفى عليه منهم خافية ، { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ }

وقوله : { وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى } كقوله : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] ، وقوله : { وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [ سبأ : 23 ] ، في آيات كثيرة في معنى ذلك .

{ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ } أي : من خوفه ورهبته { مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ } أي : من ادعى منهم أنه إله من دون الله ، أي : مع الله ، { فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } أي : كل من قال ذلك ، وهذا شرط ، والشرط لا يلزم وقوعه ، كقوله : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] ، وقوله { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ} (28)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَىَ وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } .

يقول تعالى ذكره : يعلم ما بين أيدي ملائكته ما لم يبلغوه ما هو وما هم فيه قائلون وعاملون ، وَمَا خَلْفَهُمْ يقول : وما مضى من قبل اليوم مما خلفوه وراءهم من الأزمان والدهور ما عملوا فيه ، قالوا : ذلك كله مُحْصًى لهم وعليهم ، لا يخفى عليه من ذلك شيء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَعْلَمُ ما بينَ أيْدِيهمْ ومَا خَلْفَهُمْ يقول : يعلم ما قدّموا وما أضاعوا من أعمالهم .

وَلا يَشْفَعُونَ إلاّ لِمَنِ ارْتَضَى يقول : ولا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا يَشْفَعُونَ إلاّ لِمَنِ ارْتَضَى يقول : الذين ارتضى لهم شهادة أن لا إله إلا الله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إلاّ لِمَنِ ارْتَضَى قال : لمن رضي عنه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَلا يَشْفَعُونَ إلاّ لِمَنِ ارْتَضَى يوم القيامة ، وَهُمْ منْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال أخبرنا معمر ، عن قتادة يقول : ولا يشفعون يوم القيامة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

وقوله : وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ يقول : وهم من خوف الله وحذار عقابه أن يحلّ بهم مشفقون ، يقول : حذرون أن يعصوه ويخالفوا أمره ونهيه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ} (28)

قوله تعالى { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } تقدم نظيره في سورة البقرة ( 255 ) .

وقوله تعالى { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } تخصيص بالذكر لبعض ما شمله قوله تعالى { لا يسبقونه بالقول } اهتماماً بشأنه لأنه مما كفروا بسببه إذ جعلوا الآلهة شفعاء لهم عند الله .

وحذف مفعول { ارتضى } لأنه عائد صلة منصوب بفعل ، والتقدير : لمن ارتضاه ، أي ارتضى الشفاعة له بأن يأذن الملائكة أن يشفعوا له إظهاراً لكرامتهم عند الله أو استجابةً لاستغفارهم لمن في الأرض ، كما قال تعالى { والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض } في سورة الشورى ( 5 ) . وذلك الاستغفار من جملة ما خلقوا لأجله فليس هو من التقدم بالقول .

ثم زاد تعظيمهم ربهم تقريراً بقوله تعالى : وهم من خشيته مشفقون } ، أي هم يعظمونه تعظيم من يخاف بطشته ويحذر مخالفة أمره .

و { مِن } في قوله تعالى { من خشيته } للتعليل ، والمجرور ظرف مستقر ، وهو حال من المبتدأ . و { مشفقون } خبر ، أي وهم لأجل خشيته ، أي خشيتهم إياه .

والإشفاق : توقع المكروه والحذر منه .