مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ} (28)

ثم إنه سبحانه ذكر ما يجري مجرى السبب لهذه الطاعة فقال : { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } والمعنى أنهم لما علموا كونه سبحانه عالما بجميع المعلومات علموا كونه عالما بظواهرهم هم وبواطنهم ، فكان ذلك داعيا لهم إلى نهاية الخضوع وكمال العبودية . وذكر المفسرون فيه وجوها . أحدها : قال ابن عباس : يعلم ما قدموا وما أخروا من أعمالهم . وثانيها : ما بين أيديهم الآخرة وما خلفهم الدنيا وقيل على عكس ذلك . وثالثها : قال مقاتل : يعلم ما كان قبل أن يخلقهم وما يكون بعد خلقهم . وحقيقة المعنى أنهم يتقلبون تحت قدرته في ملكوته وهو محيط بهم ، وإذا كانت هذه حالتهم فكيف يستحقون العبادة وكيف يتقدمون بين يدي الله تعالى فيشفعون لمن لم يأذن الله تعالى له . ثم كشف عن هذا المعنى فقال : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } أي لمن هو عند الله مرضي : { وهم من خشيته مشفقون } أي من خشيتهم منه ، فأضيف المصدر إلى المفعول ومشفقون خائفون ولا يأمنون مكره وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنه رأى جبريل عليه السلام ليلة المعراج ساقطا كالحلس من خشية الله تعالى » ونظيره قوله تعالى : { لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن } .