اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ} (28)

ثم إنه تعالى ذكر ما يجري مجرى السبب لهذه الطاعة فقال : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } والمعنى أنهم لما علموا كونه سبحانه عالماً بجميع المعلومات علموا كونه عالماً بظواهرهم وبواطنهم ، فكان ذلك داعياً لهم إلى نهاية الخضوع وكمال العبودية{[28165]} . قال ابن عباس{[28166]} : يعلم ما قدموا وأخروا من أعمالهم . وقال مقاتل : بعلم ما كان قبل أن يخلقهم ، وما يكون بعد خلقهم .

وقيل : { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } الآخرة ، «وَمَا خَلْفَهُمْ » الدنيا . وقيل بالعكس{[28167]} ثم قال : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى } أي لمن هو عند الله مرضي . قاله مجاهد{[28168]} ، وقال ابن عباس : لمن قال لا إله إلا الله{[28169]} . { وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ } أي : من خشيتهم منه ، فأضيف المصدر إلى مفعوله . «مُشْفقُونَ » خائفون لا يأمنون من مكره ، ونظيره قوله تعالى { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن }{[28170]} .

وروي{[28171]} عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أنه رأى جبريل - عليه السلام- ليلة المعراج ساقطاً كالحلس{[28172]} من خشية الله »{[28173]} .


[28165]:المرجع السابق.
[28166]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/160.
[28167]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/160.
[28168]:انظر البغوي 5/482.
[28169]:المرجع السابق.
[28170]:من قوله تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا} [النبأ: 38].
[28171]:في الأصل: روى.
[28172]:في الأصل: كالجالس. وفي ب: جالسا كالساقط.
[28173]:انظر الفائق 1/305، الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (110) ويشبه به الذي لا يبرح منزله فيقال: هو حلس بيته.