فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ} (28)

{ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم }

{ ما بين أيديهم } ما أمامهم . { وما خلفهم } ما وراءهم .

{ يشفعون } يتضرعون إلى ربهم ويسألونه العفو عن المذنب ، والتجاوز عن المؤاخذة .

عن ابن عباس : يعلم ما عملوا وما هم عاملون ؛ وعنه : { ما بين أيديهم } الآخرة ؛ { وما خلفهم } الدنيا ؛ { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } هو كقول الحق سبحانه : { يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن . . ){[2131]} وكذا ما في الآية الكريمة : { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له . . ){[2132]} ؛ عن ابن عباس : من قال لا إله إلا الله ، شفاعتهم الاستغفار ، وهي تكون في الدنيا والآخرة ؛ ومصداق ذلك في كتاب الله : { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا . . ){[2133]} ؛ { . . والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ){[2134]} .

{ وهم من خشيته مشفقون } والملائكة الكرام عليهم السلام من خشية الله الكبير المتعال وخوف غضبه على حذر ورقبة ؛ فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وقيل : يحتمل أن يكون المعنى ، أنهم يخشون الله تعالى ، ومع ذلك يحذرون من وقوع تقصير في خشيتهم . . . وفرق بين الخشية والإشفاق بأن الأول : خوف مشوب بتعظيم ومهابة ، ولذلك خص به العلماء في قوله تعالى : { . . إنما يخشى الله من عباده العلماء . . ){[2135]} ؛ والثاني : خوف مع اعتناء ، ويعدى بمن [ فيقال : أشفقت من كذا ] . . وقد يعدى بعلى [ كما يقال : أشفق على ولده ] بملاحظة الحنو والعطف {[2136]} .


[2131]:سورة النبأ. من الآية 38.
[2132]:سورة سبأ. من الآية 23.
[2133]:سورة غافر. من الآية 7.
[2134]:سورة الشورى. من الآية 5.
[2135]:سورة فاطر. من الآية 28
[2136]:ما بين العارضتين من روح المعاني