البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ} (28)

ثم أخبر تعالى أنه { يعلم ما بين أيديهم } أي ما تقدم من أفعالهم وأقوالهم ، والحوادث التي لها إليهم تسبب وما تأخر وعلمه بذلك يجري مجرى السبب لطاعتهم لما علموه عالماً بجميع المعلومات وظواهرهم وبواطنهم كان ذلك داعياً لهم إلى نهاية الخضوع والدؤوب على العبادة .

قال ابن عباس : { يعلم } ما قدموا وما أخروا من أعمالهم .

وقال نحوه عمار بن ياسر ، قال : ما عملوا وما لم يعملوا بعد ، وقيل { ما بين أيديهم } الآخرة { وما خلفهم } الدنيا .

وقيل عكس ذلك .

وقيل { يعلم } ما كان قبل أن خلقهم وما كان بعد خلقهم .

ولما كانوا مقهورين تحت أمره وملكوته وهو محيط بهم لم يجسروا على أن يشفعوا إلاّ لمن ارتضاه الله وأهله للشفاعة في زيادة الثواب والتعظيم ، ثم { هم } مع ذلك { من خشيته مشفقون } متوقعون حذرون لا يأمنون مكر الله .

وقال ابن عباس : { لمن ارتضى } هو من قال : لا إله إلا الله وشفاعتهم : الاستغفار .

وقال مجاهد : لمن ارتضاه الله أن يشفع .

وقيل : شفاعتهم في القيامة وفي الصحيح أنهم يشفعون في الدنيا والآخرة .