ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ، أن هؤلاء المشركين ، قد قست قلوبهم ، وفسدت نفوسهم ، وماتت ضمائرهم ، وصاروا لا يؤثر فيهم الابتلاء بالخير أو الشر ، فقال - تعالى - : { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا . . . } .
أى : ولو رحمنا هؤلاء المشركين الذين تنكبوا الصراط المستقيم وكشفنا ما بهم من ضر .
أى : من سوء حال بسبب ما نزل بهم من قحط وجدب وفقر .
{ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } أى : لتمادوا فى طغيانهم ، وتجاوزوا الحدود فى كفرهم وضلالهم ، وفى تحيرهم وترددهم بدون تمييز بين الحق والباطل .
والتعبير بقوله - تعالى - { لَّلَجُّواْ } يشعر بأنهم لقسوة قلوبهم ، صاروا لا تؤثر فيهم المصائب بل يزدادون بسببها طغياناً وكفراً ، إذ الفعل " لجوا " مأخوذ من اللجاج . هو التمادى والعناد فى ارتكاب المنهى عن ارتكابه .
يقال : لج فلان فى الأمر يلج لججا ولجاجة . إذا لازمه وواطب عليه . ومنه " اللَّجة " - بفتح اللام - لكثرة الأصوات . ولُجة البحر - بضم اللام - لتردد أمواجه . . .
وقوله : { يَعْمَهُونَ } من العمه ، بمعنى التردد والتحير ، وهو للقلوب بمنزلة العمى للعيون .
وهو مأخوذ من قولهم : أرض عمهاء ، إذا لم يكن فيها علامات ترشد إلى الخروج منها .
وقوله : { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } : يخبر تعالى عن غلظهم{[20619]} في كفرهم بأنه لو أراح عللهم وأفهمهم القرآن ، لما انقادوا له ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم ، كما قال تعالى : { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } [ الأنفال : 23 ] ، وقال : { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [ الأنعام : 27 - 29 ] ، فهذا من باب علمه تعالى بما لا يكون ، لو كان كيف يكون{[20620]} .
[ و ]{[20621]} قال الضحاك ، عن ابن عباس : كل ما فيه " لو " ، فهو مما لا يكون أبدا .
وقوله : وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرَ يقول تعالى : ولو رحمنا هؤلاء الذين لا يؤمنون بالاَخرة ، ورفعنا عنهم ما بهم من القحط والجدب وضرّ الجوع والهزال لَلَجّوا فِي طُغْيانهِمْ يعني في عتوّهم وجرأتهم على ربهم . يَعْمَهُونَ يعني : يتردّدون كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، في قوله : وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرَ قال : الجوع .
و { لجوا في طغيانهم } ، وهذه الآية نزلت في المرة التي أصابت قريشاً فيها السنون المجدية والجوع الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله «اللهم سبعاً كسني يوسف » الحديث{[8529]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.