البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَلَوۡ رَحِمۡنَٰهُمۡ وَكَشَفۡنَا مَا بِهِم مِّن ضُرّٖ لَّلَجُّواْ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (75)

اللجاج في الشيء التمادي عليه

{ ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر } قيل : هو الجوع .

وقيل : القتل والسبي .

وقيل : عذاب الآخرة أي بلغوا من التمرد والعناد أنهم لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لشدة لجاجهم فيما هم عليه من البعد .

وهذا القول بعيد بل الظاهر أن هذا التعليق كان يكون في الدنيا ويدل على ذلك قوله { ولقد أخذناهم بالعذاب } إلى آخر الآية استشهد على شدة شكيمتهم في الكفر ولجاجهم على تقدير رحمته لهم بأنه أخذهم بالسيوف أولاً ، وبما جرى عليهم يوم بدر من قتل صناديدهم وأسرهم فما وجدت منهم بعد ذلك استكانة ولا تضرع حتى فتحنا عليهم باب الجوع الذي هو أشد من الأسر والقتل فأبلسوا وخضعت رقابهم .

والظاهر من هذا أن الضمير هو القحط والجوع الذي أصابهم بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا مروي عن ابن عباس وابن جريج .

وسبب نزول الآية دليل على ذلك روي أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة منع الميرة من أهل مكة ، فأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا العلهز ، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت الرحمة للعالمين ؟ فقال : «بلى » فقال : قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فنزلت الآية .

والمعنى لو كشف الله عنهم هذا الضر وهو الهزل والقحط الذي أصابهم ووجدوا الخصب لارتدوا إلى ما كانوا عليه من الاستكبار وعداوة رسول الله والمؤمنين وإفراطهم فيها .

وقيل : المعنى ولو امتحناهم بكل محنة من القتل والجوع فما رأى فيهم استكانة ولا انقياد حتى إذا عذبوا بنار جهنم أبلسوا ، كقوله { ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون } { لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون } فعلى هذا القول يكون الفتح لباب العذاب الشديد في الآخرة ، وعلى الأول كان في الدنيا .