وقد بين - سبحانه - أن إيمانهم هذا لن ينفعهم لأنه جاء فى غير وقته فقال { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ } شيئا من النفع لأنه إيمان جاء عند معاينة العذاب ، والإِيمان الذى يدعى فى هذا الوقت لا قيمة له ، لأنه جاء فى وقت الاضطرار لافى وقت الاختيار .
ولفظ " سنة " فى قوله - تعالى - : { سُنَّتَ الله التي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ . . . } منصوب على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف .
أى : سن الله - تعالى - ذلك ، وهو عدم نفع الإِيمان عند حلول العذاب سنة ماضية فى الناس ، بحيث لا تتخلف فى أى زمان أو مكان .
{ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون } أى : فى هذا الوقت الذى ينزل الله - تعالى - فيه العذاب على الكافرين يخسرون كل شئ ، بحيث لا ينفعهم لا أموالهم ولا أولادهم ولا آلهتهم التى كانوا يتوهمون شفاعتها .
وبعد : فهذا تفسير وسيط لسورة " غافر " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده :
أي : هذا حكم الله في جميع{[25604]} مَنْ تاب عند معاينة العذاب : أنه لا يقبل ؛ ولهذا جاء في الحديث : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " {[25605]} أي : فإذا غرغر وبلغت الروح الحنجرة ، وعاين الملك ، فلا توبة حينئذ ؛ ولهذا قال : { وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ }
آخر تفسير " سورة غافر {[25606]} ، ولله الحمد والمنة .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنّةَ اللّهِ الّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فلم يك ينفعهم تصديقهم في الدنيا بتوحيد الله عند معاينة عقابه قد نزل ، وعذابه قد حلّ ، لأنهم صدّقوا حين لا ينفع التصديق مصدّقا ، إذ كان قد مضى حكم الله في السابق من علمه ، أن من تاب بعد نزول العذاب من الله على تكذيبه لم تنفعه توبته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَما رأَوْا بأْسَنا : لما رأوا عذاب الله في الدنيا لم ينفعهم الإيمان عند ذلك .
وقوله : سُنّةَ اللّهِ التي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ يقول : ترك الله تبارك وتعالى إقالتهم ، وقبول التوبة منهم ، ومراجعتهم الإيمان بالله ، وتصديق رسلهم بعد معاينتهم بأسه ، قد نزل بهم سنته التي قد مضت في خلقه ، فلذلك لم يُقلهم ولم يقبل توبتهم في تلك الحال ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة سُنّةَ اللّهِ الّتي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادهِ يقول : كذلك كانت سنة الله في الذين خلوا من قبل إذا عاينوا عذاب الله لم ينفعهم إيمانهم عند ذلك .
وقوله : وَخَسِرَ هُنالِكَ الكافِرُونَ يقول : وهلك عند مجيء بأس الله ، فغبنت صفقته ووضُع في بيعه الاَخرة بالدنيا ، والمغفرة بالعذاب ، والإيمان بالكفر ، الكافرون بربهم ، الجاحدون توحيد خالقهم ، المتخذون من دونه آلهة يعبدونهم من دون بارئهم .
{ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } لامتناع قبوله حينئذ ولذلك قال : { لم يك } بمعنى لم يصح ولم يستقم ، والفاء الأولى لأن قوله : { فما أغنى } كالنتيجة لقوله : { كانوا أكثرهم منهم } ، والثانية لأن قوله : { فلما جاءتهم رسلهم } كالتفسير لقوله : { فما أغنى } والباقيتان لأن رؤية البأس مسببة عن مجيء الرسل وامتناع نفي الإيمان مسبب عن الرؤية . { سنت الله التي قد خلت في عباده } أي سن الله ذلك سنة ماضية في العباد وهي من المصادر المؤكدة . { وخسر هنالك الكافرون } أي وقت رؤيتهم البأس ، اسم مكان استعير للزمان .
ثم حكى حالة بعضهم ممن آمن بعد تلبس العذاب بهم فلم ينفعهم ذلك ، وفي ذكر هذا حض للعرب على المبادرة وتخويف من التأني لئلا يدركهم عذاب لا تنفعهم توبة بعد تلبسه بهم . وأما قصة قوم يونس فرأوا العذاب ولم يكن تلبس بهم ، وقد مر تفسيرها مستقصى في سورة يونس عليه السلام . و : { سنة الله } نصب على المصدر . و : { خلت } معناه : مضت واستمرت وصارت عادة .
وقوله : { هنالك } إشارة إلى أوقات العذاب ، أي ظهر خسرانهم وحضر جزاء كفرهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.