التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا} (20)

وهنا تزداد حيرة مريم ، ويشتد عجبها فتقول : { أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } .

أى : قالت على سبيل التعجب مما سمعته : كيف يكون لى غلام ، والحال أنى لم يمسنى بشر من الرجال عن طريق الزواج الذى أحله الله - تعالى - ، ولم أك فى يوم من الأيام بغياً ، أى : فاجرة تبغى الرجال . أو يبغونها للزنا بها . يقال : بغت المرأة تبغى إذا فجرت وتجاوزت حدود الشرف والعفاف .

قال صاحب الكشاف : جعل المس عبارة عن النكاح الحلال ، لأنه كناية عنه . كقوله - تعالى - { مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } والزنا ليس كذلك ، إنما يقال فيه : فجر بها وخبث بها وما أشبه ذلك ، وليس بقمن أن تراعى فيه الكنايات والآداب . والبَغِى : الفاجرة التى تبغى الرجال . . . " .

وعلى هذا الرأى الذى ذهب إليه صاحب الكشاف ، يكون ما حكاه القرآن عن مريم من قولها : { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ . . . } المقصود به النكاح الحلال .

ويرى آخرون أن المقصود به ما يشمل الحلال والحرام ، أى : ولم يمسسنى بشر كائناً من كان لا بنكاح ولا بزنى ، ويكون قوله : { وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } من باب التخصيص بعد التعميم ، ويؤيد هذا الرأى قوله - تعالى - : { قَالَتْ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ الله يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } ويؤيده أيضاً أن لفظ { بَشَرٌ } نكرة فى سياق النفى فيعم كل بشر سواء أكان زوجاً أم غير زوج .

قال القرطبى : قوله : { وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } أى : زانية . وذكرت هذا تأكيداً لأن قولها { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } يشمل الحلال والحرام . . .

وقال الجمل فى حاشيته ما ملخصه : وإنما تعجبت مما بشرها به جبريل لأنها عرفت بالعادة أن الولادة لا تكون إلا بعد الاتصال برجل . فليس فى قولها هذا دلالة على أنها لم تعلم أنه - تعالى - قادر على خلق الولد ابتداء . كيف وقد عرفت أن أبا البشر قد خلقه الله - تعالى - من غير اب أو أم . . . " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا} (20)

{ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِيًّا } أي : فتعجبت مريم من هذا وقالت : كيف يكون لي غلام ؟ أي : على أي صفة يوجد هذا الغلام مني ، ولست بذات زوج ، ولا يتصور مني الفجور ؛ ولهذا قالت : { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا } والبغي : هي الزانية ؛ ولهذا جاء في الحديث نهي عن مهر البغي .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا} (20)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَتْ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبّكَ هُوَ عَلَيّ هَيّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لّلْنّاسِ وَرَحْمَةً مّنّا وَكَانَ أَمْراً مّقْضِيّاً } .

يقول تعالى ذكره : قالت مريم لجبريل : أنّي يَكُونُ لي غُلامٌ من أيّ وجه يكون لي غلام ؟ أمن قِبَل زوج أتزوّج ، فأرزقه منه ، أم يبتدىء الله فيّ خلقه ابتداء ولَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ من ولد آدم بنكاح حلال ولَمْ أكُ إذ لم يمسسني منهم أحد على وجه الحلال بَغِيّا بغيت ففعلت ذلك من الوجه الحرام ، فحملته من زنا ، كما :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ولَمْ أكُ بَغِيّا يقول : زانية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا} (20)

{ قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر } ولم يباشرني رجل بالحلال ، فإن هذه الكنايات إنما تطلق فيه ، أما الزنا فإنما يقال فيه خبث بها وفجر ونحو ذلك ويعضده عطف قوله : { ولم أك بغيا } عليه وهو فعول من البغي قلبت واوه ياء وأدغمت ثم كسرت الغين اتباعا ولذلك لم تلحقه التاء ، أو فعيل بمعنى فاعل ولم تلحقه التاء لأنه للمبالغة أو للنسب كطالق .