التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَلَٰكِن ذِكۡرَىٰ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (69)

ثم بين - سبحانه - أنه لا تبعة على المؤمنين ما داموا قد أعرضوا عن مجلس الخائضين فقال - تعالى - { وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ ولكن ذكرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } .

أى : وما على الذين يتقون الله شىء من حساب الخائضين على ما ارتكبوا من جرائم وآثام ما داموا قد أعرضوا عنهم ، ولكن عليهم أن يعرضوا عنهم ويذكروهم ويمنعوهم عما هم فيه من القبائح بما أمكن من العظة والتذكير لعل أولئك الخائضين يجتنبون ذلك ، ويتقون الله فى أقوالهم وأفعالهم .

وعليه يكون الضمير فى قوله : { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } يعود على الخائضين .

وقيل يجوز أن يكون الضمير فى قوله : { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } للذين اتقوا أى : عليهم أى يذكروا أولئك الخائضين ، لأن هذا التذكير يجعل المتقين يزدادون إيمانا على إيمانهم ، ويثبتون على تقواهم .

روى البغوى عن ابن عباس قال : لما نزلت : { وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } . . إلخ قال المسلمون : كيف نقعد فى المسجد الحرام ونطوف بالبيت وهم يخوضون أبداً ؟ فأنزل الله - تعالى - { وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } يعنى إذا قمتم عنهم فما عليكم تبعة ما يقولون ، وما عليكم نصيب من إثم ذلك الخوض .

قال الجمل : قوله ( ولكن ذكرى ) فيه أربعة أوجه :

أحدها : أنها منصوبة على المصدر بفعل مضمر وقدره بعضهم أمراً ، أى : ولكن ذكروهم ذكرى ، وبعضهم قدره خبراً . أى : ولكن يذكرونهم ذكرى .

والثانى : أنه مبتدأ خبره محذوف : أى : ولكن عليكم ذكرى ، أى : تذكيرهم .

والثالث : أنه خبر لمبتدأ محذوف أى : هو ذكرى أى : النهى عن مجالستهم والامتناع منها ذكرى .

والرابع : أنه عطف على موضع شىء المجرور بمن أى : ما على المتقين من حسابهم شىء ولكن عليهم ذكرى فيكون من عطف المفردات وأما على الأوجه السابقة فهو من عطف الجمل " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَلَٰكِن ذِكۡرَىٰ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (69)

وقوله : { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } أي : إذا تجنبوهم فلم يجلسوا معهم في ذلك ، فقد برئوا من عهدتهم ، وتخلصوا من إثمهم .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشَجّ ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السُّدِّي ، عن أبي مالك وسعيد بن جُبَيْر ، قوله : { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } قال : ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك ، أي : إذا تجنبتهم وأعرضت عنهم .

وقال آخرون : بل معناه : وإن جلسوا معهم ، فليس عليهم من حسابهم من شيء . وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية ، وهي قوله : { إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } [ النساء : 140 ] . قاله مجاهد ، والسُّدِّي ، وابن جُرَيْج ، وغيرهم . وعلى قولهم ، يكون قوله : { وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي : ولكن أمرناكم{[10831]} بالإعراض عنهم حينئذ تذكيرا لهم عما هم فيه ؛ لعلهم يتقون ذلك ، ولا يعودون إليه .


[10831]:في أ: "أمرناهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَلَٰكِن ذِكۡرَىٰ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (69)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْءٍ وَلََكِن ذِكْرَىَ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : ومن اتقى الله فخافه فأطاعه فيما أمره به واجتنب ما نهاه عنه ، فليس عليه بترك الإعراض عن هؤلاء الخائضين في آيات الله في حال خوضهم في آيات الله شيء من تبعه فيما بينه وبين الله ، إذا لم يكن تركه الإعراض عنهم رضا بما هم فيه وكان الله بحقوقه متقيا ، ولا عليه من إثمهم بذلك حرج ، ولكن لِيُعْرِضوا عنهم حينئذ . ذِكْرَى لأمر الله . لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ يقول : ليتقوا . ومعنى الذكرى : الذكرُ ، والذكر والذكرى بمعنى وقد يجوز أن يكون ذكرى في موضع ورفع فأما النصب فعلى ما وصفت من تأويل : ولكن ليعرضوا عنهم ذكري وأما الرفع فعلى تأويل : وما على الذين يتقون من حسابهم شيء بترك الإعراض ، ولكن إعراضهم ذكرى لأمر الله لعلهم يتقون . وقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالقيام عن المشركين إذا خاضوا في آيات الله ، لأنه قيامه عنهم كان مما يكرهونه ، فقال الله له : إذا خاضوا في آيات الله فقم عنهم ليتقوا الخوض فيها ويتركوا ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عنا بن جريج ، قال : كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه ، فإذا سمعوا استهزءوا ، فنزلت : وإذَا رأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا فأَعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غيرِهِ . . . الاَية ، قال : فجعل إذا استتهزءوا قام فحذروا وقالوا : لا تستهزءوا فيقوم فذلك قوله : لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ أن يخوضوا فيقوم . ونزل : وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ إن قعدوا معهم ، ولمن لا تقعدوا . ثم نسخ ذلك قوله بالمدينة : وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أنْ إذَا سَمِعْتُمْ آياتِ اللّهِ يُكْفَرُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حتى يَخُوضُوا فِي حَديثٍ غيرِهِ إنّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ ، فنسخ قوله : وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ . . . الاَية .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقوله : من حساب الكفار من شيء . وَلَكِنْ ذِكْرَى يقول : إذا ذكرتُ فقم . لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ مساءتكم إذا رأوكم لا تجالسونهم ، استحيوا منكم فكفوا عنكم . ثم نسخها الله بعد ، فنهاهم أن يجلسوا معهم أبدا ، قال : وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أنْ إذَا سَمِعْتُمْ آياتِ اللّهِ يُكْفَرُ بِها . . . الاَية .

حدثني محمد بن عروة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ إن قعدوا ، ولكن لا تقعد .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك : وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى قال : وما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَلَٰكِن ذِكۡرَىٰ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (69)

{ وما على الذين يتقون } وما يلزم المتقين من قبائح أعمالهم وأقوالهم الذين يجالسونهم . { من حسابهم من شيء } شيء مما يحاسبون عليه . { ولكن ذكرى } ولكن عليهم أن يذكروهم ذكرى ويمنعوهم عن الخوض وغيره من القبائح ويظهروا كراهتها وهو يحتمل النصب على المصدر والرفع ولكن عليهم ذكرى ، ولا يجوز عطفه على محل من شيء لأن من حسابهم يأباه ولا على شيء لذلك ولأن من لا تزاد في الإثبات . { لعلهم يتقون } يجتنبون ذلك حياء أو كراهة لمساءتهم ، ويحتمل أن يكون الضمير للذين يتقون والمعنى : لعلهم يثبتون على تقواهم ولا تنثلم بمجالستهم . روي : أن المسلمين قالوا لئن كنا نقوم كلما استهزءوا بالقرآن لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام ، ونطوف فنزلت .