وقوله - تعالى - : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ . . . } ، التبديل رفع الشيء مع وضع غيره مكانه . فتبديل الآية رفعها بآية أخرى .
وجمهور المفسرين على أن المراد بالآية هنا : الآية القرآنية . وعلى أن المراد بتبديلها نسخها .
قال صاحب الكشاف : تبديل الآية مكان الآية هو النسخ ، والله - تعالى - ينسخ الشرائع بالشرائع ؛ لأنها مصالح ، وما كان مصلحة بالأمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم ، وخلافه مصلحة . والله - تعالى - عالم بالمصالح والمفاسد ، فيثبت ما يشاء ، وينسخ ما يشاء بحكمته . . .
وقال الجمل : قوله - تعالى - : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ . . . } ، وذلك أن المشركين من أهل مكة قالوا : إن محمدا صلى الله عليه وسلم يسخر بأصحابه ، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا ، ما هذا إلا مفترى يتقوله من تلقاء نفسه ، فأنزل الله - تعالى - : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ . . . } ، والمعنى : وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكما آخر .
وقال الألوسي : قوله - تعالى - : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } ، أي : وإذا نزلنا آية من القرآن مكان آية منه . وجعلناها بدلا منها بأن نسخناها بها . . .
ومنهم من يرى أن المراد بالآية هنا : " الآية الكونية " ، أي : المعجزة التى أتى بها كل نبي لقومه ، وأن المراد بتبديلها : الإِتيان بمعجزة أخرى سواها .
قال الشيخ القاسمي عند تفسيره لهذه الآية : وذهب قوم إلى أن المعنى تبديل آية من آيات الأنبياء المتقدمين . كآية موسى وعيسى وغيرهما من الآيات الكونية الآفاقية ، بآية أخرى نفسية علمية ، وهي كون المنزل هدى ورحمة وبشارة يدركها العقل .
فبدلت تلك - وهي الآيات الكونية - بآية هو كتاب العلم والهدى ، من نبي أمي صلى الله عليه وسلم .
يخبر تعالى عن ضعف عقول المشركين وقلة ثباتهم وإيقانهم ، وأنه لا يتصور منهم الإيمان ، وقد كتب عليهم الشقاوة ، وذلك أنهم إذا رأوا تغيير الأحكام ناسخها بمنسوخها قالوا للرسول : { إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ } ، أي : كذاب ، وإنما هو الرب تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد .
وقال مجاهد : { بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ } ، أي : رفعناها وأثبتنا غيرها .
وقال قتادة : هو كقوله تعالى : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا } [ البقرة : 106 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا بَدّلْنَآ آيَةً مّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ قَالُوَاْ إِنّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكم أخرى ، { والله أعْلَمُ بما يُنَزّلُ } ، يقول : والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدّل ويغير من أحكامه ، { قالوا إنما أنْتَ مُفْتَرٍ } ، يقول : قال المشركون بالله المكذبو رسوله لرسوله : إنما أنت يا محمد مفتر ، أي : مكذب تخرص بتقوّل الباطل على الله . يقول الله تعالى : بل أكثر هؤلاء القائلين لك يا محمد إنما أنت مفتر جهالٌ ، بأنّ الذي تأتيهم به من عند الله ناسخه ومنسوخه ، لا يعلمون حقيقة صحته .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : { وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } ، رفعناها فأنزل غيرها .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } ، قال : نسخناها ، بدّلناها ، رفعناها ، وأثبتنا غيرها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } ، هو كقوله : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها } .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } قالوا : إنما أنت مفتر ، تأتي بشيء وتنقضه ، فتأتي بغيره . قال : وهذا التبديل ناسخ ، ولا نبدّل آية مكان آية إلا بنسخ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.