السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

ولما كان المشركون إذا نزلت آية فيها شدّة ، ثم نزلت آية ناسخة لها ، يقولون : إن محمداً يستهزئ بأصحابه ، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً ، ما هو إلا مفتر يتقوله من تلقاء نفسه ، نزل : { وإذا بدّلنا } ، أي : بقدرتنا بالنسخ ، { آية } ، سهلة : كالعدّة بأربعة شهور وعشر ، وقتال الواحد من المسلمين لاثنين من الكفار ، أو شاقة : كتحريم الخمر ، وإيجاب الصلوات الخمس ، فجعلناها { مكان آية } شاقة ، كالعدّة بحول ومصابرة عشرة من الكفار ، أو سهلة ، كالآيات المتضمنة لإباحة الخمر ، والتبديل : رفع الشيء ووضع غيره مكانه ، { والله } ، أي : الذي له الإحاطة الشاملة ، { أعلم بما ينزل } من المصالح ، بحسب الأوقات والأحوال بنسخ أو غيره ، { قالوا } ، أي : الكفار ، { إنما أنت } يا محمد ، { مفتر } ، أي : متقوّل على الله تعالى ، تأمر بشيء ثم يبدو لك فتنهى عنه ، وهو جواب إذا . { والله أعلم بما ينزل } ، اعتراض ، والمعنى : والله أعلم بما ينزل من الناسخ والمنسوخ ، والتغليظ والتخفيف ، أي : هو أعلم بجميع ذلك ومصالح العباد ، وهذا توبيخ للكفار على قولهم إنما أنت مفتر ، أي : إذا كان هو أعلم بما ينزل ، فما لهم ينسبون محمداً إلى الافتراء لأجل التبديل والنسخ . { بل أكثرهم } ، وهم الذين يستمرّون على الكفر ، { لا يعلمون } حكمة فائدة النسخ والتبديل ، ولا يميزون الخطأ من الصواب ، فإن الله تعالى أعلم بمصالح العباد ، كما أنّ الطبيب يأمر المريض بشربة ثم بعد مدّة ينهاه عنها ، ويأمره بغيرها بضدّ تلك الشربة .