محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

[ 101 ] { وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون 101 } .

{ وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر ، بل أكثرهم لا يعلمون * قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبّت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين } .

التبديل : رفع الشيء مع وضع غيره مكانه . فتبديل الآية : رفعها بآية أخرى . والأكثرون على أن المعنى : نسخ آية من القرآن لفظا أو حكما بآية أخرى غيرها ، لحكمة باهرة أشير إليها بقوله : { والله أعلم بما ينزل } من ناسخ ، قضت الحكمة أن يتبدل المنسوخ الأول به . وذهب قوم إلى أن المعنى : تبديل آية عن آيات الأنبياء المتقدمين . كآية موسى وعيسى وغيرهما ، من الآيات الكونية الآفاقية ، بآية أخرى نفسية علمية . وهي كون المنزل هدى ورحمة وبشارة يدركها العقل ، إذا تنبه لها وجرى على نظامه الفطري . وذلك لاستعداد الإنسان وقتئذ ، لأن يخاطب عقله ويستصرخ فهمه ولبه . فلم يؤت من قبل الخوارق الكونية ويدهش بها كما كان لمن سلف . فبدلت تلك بآية هو كتاب العلم والهدى ، من نبيّ أمّي لم يقرأ ولم / يكتب . وكون الكتاب بيّن الصدق قاطع البرهان ناصع البيان بالنسبة لمن أوتي العلم ورزق الفهم . وهذا التأويل الثاني يرجحه على الأول ، أن السورة مكية . وليس في المكي منسوخ بالمعنى الذي يريدونه . وللبحث تفصيل في موضع آخر . وقد أشرنا إلى ذلك في آيتين من سورة البقرة في قوله تعالى{[5323]} : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا } الخ ، وقوله تعالى{[5324]} : { ما ننسخ من آية } ، والمقصود أنه تعالى ، لما رحم العالمين وجعل القرآن مكان ما تقدم ، نسبوا الموحى إليه به إلى الافتراء ، ردا للحق ، وعنادا للهدى ، وتوليا للشيطان ، وتعبّدا لوسوسته ، وما ذاك إلا لجهلهم المتناهي ، كما قال : { بل أكثرهم لا يعلمون } ، واعتراض قوله : { والله أعلم بما ينزل } ، لتوبيخ الكفرة والتنبيه على فساد رأيهم .


[5323]:[ 2 / البقرة / 23].
[5324]:[2 / البقرة / 106].