فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

{ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( 101 ) }

{ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } {[1064]} ، هذا شروع منه سبحانه في حكاية شبهة كفرية ودفعها ، ومعنى التبديل : رفع الشيء مع وضع غيره مكانه ، وتبديل الآية : رفعها بأخرى غيرها ، وهو نسخها بآية سواها ، قال مجاهد : وهو كقوله : { ما ننسخ من آية أو ننسها } الخ . . . . . . . . . . . وقد تقدم الكلام على النسخ في البقرة . { وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } ، اعتراض داخل الكلام ، أي : أنه أعلم بما ينزل من الناسخ ، وبما هو أصلح لخلقه ، وبما يغير وما يبدل من أحكامه ، وهذا نوع توبيخ وتقريع للكفار ، وقيل : الجملة حالية وليس بظاهر .

وجواب إذا قوله : { قَالُواْ } ، أي : كفار قريش الجاهلون للحكمة في النسخ ، { إِنَّمَا أَنتَ } يا محمد ، صلى الله عليه وآله وسلم ، { مُفْتَرٍ } ، أي : كاذب مختلق على الله ، فتقول عليه بما لم يقل ، حيث تزعم أنه أمرك بشيء ثم تزعم أنه أمرك بخلافه ، فرد الله سبحانه عليهم بما يفيد جهلهم فقال :

{ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } شيئا من العلم أصلا ، أو لا يعلمون حقيقة القرآن ، وهو أنه اللفظ المنزل من عند الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؛ للإعجاز بسورة منه ، المتعبد بتلاوته ، أو لا يعلمون بالحكمة في النسخ ، فإنه مبني على المصالح التي لا يعلمها إلا الله سبحانه ؛ فقد تكون في شرع هذا الشيء مصلحة بوقت ، ثم تكون المصلحة بعد ذلك الوقت في شرع غيره .

وفيه التخفيف على العباد ، ولو انكشف الغطاء لهؤلاء الكفرة لعرفوا أن ذلك وجه الصواب ومنهج العدل والرفق واللطف .


[1064]:كانت هذه الآية أوضح دليل لنا على وجود النسخ في القرآن حين نشرنا بحثا وافيا في الموضوع في كتابنا (الإيمان وآثاره والشرك ومظاهره) وذلك عندما أعلن بعض العلماء الذين نحترمهم رأيه في عدم وجود النسخ في القرى والكتاب عموما، مهم جدا.