نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

ثم عطف على هذا المقدر - الذي دل عليه الكلام - ما أنتجه تسلط الشيطان عليهم ، فقال تعالى : { وإذا بدلنا } ، أي : بعظمتنا بالنسخ ، { ءاية } ، سهلة كالعدة بأربعة أشهر وعشر ، وقتال الواحد من المسلمين لاثنين من الكفار ، أو شاقّة كتحريم الخمر وإيجاب صلوات خمس ، فجعلناها { مكان ءاية } شاقة كالعدة بحول ، ومصابرة عشرة من الكفار ، أو سهلة كالآيات المتضمنة لإباحة الخمر ، وإيجاب ركعتين أول النهار وركعتين آخره ، فكانت الثانية مكان الأولى وبدلاً منها ، أو يكون المعنى : نسخنا آية صعبة فجعلنا مكانها آية سهلة ؛ والتبديل : رفع الشيء مع وضع غيره مكانه . { والله } ، أي : الذي له الإحاطة الشاملة ، { أعلم بما ينزل } من المصالح بحسب الأوقات والأحوال بنسخ أو بغيره . { قالوا } ، أي : الكفار ، { إنما أنت } ، أي : يا محمد ! { مفتر } ، أي : فإنك تأمر اليوم بشيء وغداً تنهى عنه وتأمر بضده ، وليس الأمر كما قالوا ، { بل أكثرهم } ، وهم الذين يستمرون على الكفر ، { لا يعلمون * } ، أي : لا يتجدد لهم علم ، بل هم في عداد البهائم ؛ لعدم انتفاعهم بما وهبهم الله من العقول ، لانهماكهم في اتباع الشيطان ، حتى زلت أقدامهم في هذا الأمر الواضح بعد إقامة البرهان بالإعجاز ، على أن كل ما كان معجزاً كان من عند الله ، سواء كان ناسخاً أو منسوخاً أو لا ، فصارت معرفة أن هذا قرآن وهذا غير قرآن بعرضه على هذا البرهان ، من أوضح الأمور وأسهلها تناولاً لمن أراد ذلك منهم أو من غيرهم من فرسان البلاغة .