التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَٰنِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡعَٰلِمِينَ} (22)

ثم ذكر - سبحانه - آية ثالثة فقال : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض } أى : ومن آياته الدالة على قدرته التامة على كل شئ ، خلقه للسموات والأرض بتلك الصورة البديعة { واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ } أى : واختلاف لغاتكم فهذا يتكلم بالعربية ، وآخر بالفارسية وثالث بالرومية . . إلى غير ذلك مما لا يعلم عدده من اللغات ، بل إن الأمة الواحدة تجد فيها عشرات اللغات التى يتكلم بها أفرادها ، ومئات اللهجات { وَأَلْوَانِكُمْ } أى : ومن آياته كذلك ، اختلاف ألوانكم ، فهذا أبيض ، وهذا أسود ، وهذا لا أصفر ، وهذا أشقر . . مع أن الجميع من أب واحد وأم واحدة وهما آدم وحواء . بل إنك لا تجد شخصين يتطابقان تطابقا تاما فى خلقتهما وشكلهما .

قال صاحب الكشاف : الألسنة : اللغات . او اجناس النطق واشكاله . خالف - عز وجل - بين هذه الأشياء حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين فى همس واحد ، ولا جهارة ، ولا حدة ، ولا رخاوة ، ولا فصاحة . . ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله ، وكذلك الصور وتخطيطها ، والألوان وتنويعها ، ولاختلاف ذلك وقع التعارف ، ولو اتفقت وتشاكلت ، وكانت ضربا واحدا ، لوقع التجاهل والالتباس ، ولتعطلت مصالح كثيرة . . وهم على الكثرة التى لا يعلمها إلا الله مختلفون متفاوتون .

{ إِنَّ فِي ذلك } الذى وضحناه لكم { لآيَاتٍ } بينات { لِّلْعَالَمِينَ } - بفتح اللام - وهى قراءة الجمهور ، أى : إن فى ذلك لآيات لجميع أصناف العالم من بار وفاجر ، ومؤمن وكافر .

وقرأ حفص - بكسر اللام - أى إن فى ذلك لآيات لأولى العلم والفهم من الناس .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَٰنِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡعَٰلِمِينَ} (22)

يقول تعالى : ومن آيات قدرته العظيمة { خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ } أي : خلق السموات في ارتفاعها واتساعها ، وشفوف أجرامها وزهارة كواكبها ونجومها الثوابت والسيارات ، والأرض في انخفاضها وكثافتها وما فيها من جبال وأودية ، وبحار وقفار ، وحيوان وأشجار .

وقوله : { وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ } يعني : اللغات ، فهؤلاء بلغة العرب ، وهؤلاء تَتَرٌ لهم لغة أخرى ، وهؤلاء كَرَج ، وهؤلاء روم ، وهؤلاء إفرنج ، وهؤلاء بَرْبر ، وهؤلاء تكْرور ، وهؤلاء حبشة ، وهؤلاء هنود ، وهؤلاء عجم ، وهؤلاء صقالبة ، وهؤلاء خزر ، وهؤلاء أرمن ، وهؤلاء أكراد ، إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله من اختلاف لغات بني آدم ، واختلاف ألوانهم وهي حُلاهم ، فجميع أهل الأرض - بل أهل الدنيا - منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة : كل له عينان وحاجبان ، وأنف وجبين ، وفم وخدان . وليس يشبه واحد منهم الآخر ، بل لا بد أن يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو الكلام ، ظاهرا كان أو خفيا ، يظهر عند التأمل ، كل وجه منهم أسلوب بذاته وهيئة لا تشبه الأخرى . ولو توافق جماعة في صفة من جمال أو قبح{[22799]} ، لا بد من فارق بين كل واحد منهم وبين الآخر ، { إنَّ فِي ذَلِك لآيات للعَالَمين } .


[22799]:- في أ: "قبيح".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَٰنِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡعَٰلِمِينَ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّلْعَالَمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ومن حججه وأدلته أيضا على أنه لا يُعجزه شيء ، وأنه إذا شاء أمات من كان حيا من خلقه ، ثم إذا شاء أنشره وأعاده كما كان قبل إماتته إياه خلقه السموات والأرض من غير شيء أحدث ذلك منه ، بل بقدرته التي لا يمتنع معها عليه شيء أراده وَاخْتِلافُ ألْسِنَتِكُمْ يقول : واختلاف منطق ألسنتكم ولغاتها وألْوَانِكُمْ يقول : واختلاف ألوان أجسامكم إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ للْعالَمِينَ يقول : إن في فعله ذلك كذلك لعبرا وأدلة لخلقه الذين يعقلون أنه لا يعيبه إعادتهم لهيئتهم التي كانوا بها قبل مماتهم من بعد فنائهم . وقد بيّنا معنى العالمين فيما مضى قبل .