ثم بين - سبحانه - أن اعتراض المشركين على بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم ليس إلا من قبيل التعنت والجحود ، لأن الرسل جميعا كانوا من البشر ، فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً . . . }
أى : " ولقد أرسلنا رسلا " كثيرين " من قبلك " يا محمد " وجعلنا لهم " أى لهؤلاء الرسل " أزواجا " يسكنون إليهن " وذرية " أى : وأولادا تقرُّ بهم أعينهم .
قال الشوكانى : " وفى هذا الرد على من كان ينكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجه بالنساء .
أى : هذا شأن رسل الله المرسلين قبل هذا الرسول فما بالكم تنكرون عليه ما كانوا عليه " .
وقوله - سبحانه - : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله . . . } رد على ما طلبوه منه صلى الله عليه وسلم من معجزات .
أى : وما صح وما استقام لرسول من الرسل أن يأتى لمن أرسل إليهم بمعجزة كائنة ما كانت إلا بإذن الله وإرادته المبنية على الحكم والمصالح التي عليها يدور أمر الكائنات .
وقوله - سبحانه - { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } تهديد للمشركين الذين كانوا يتعجلون حصول المقترحات التي طلبوها منه صلى الله عليه وسلم .
أى : لكل وقت من الأوقات " كتاب " أى : حكم معين يكتب على الناس حسبما تقتضيه مشيئته - سبحانه - .
يقول تعالى : وكما أرسلناك ، يا محمد ، رسولا بشريا{[15690]} كذلك [ قد ]{[15691]} بعثنا المرسلين قبلك بَشَرًا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ويأتون الزوجات ، ويولد لهم ، وجعلنا لهم أزواجا وذرية ، وقد قال [ الله ]{[15692]} تعالى لأشرف الرسل وخاتمهم : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ } [ الكهف : 110 ] .
وفي الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أما أنا فأصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وآكل الدسم{[15693]} وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " . {[15694]} وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أنبأنا الحجاج بن أرطأة عن مكحول قال : قال أبو أيوب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع من سنن المرسلين : التعطر ، والنكاح ، والسواك ، والحناء " {[15695]} .
وقد رواه أبو عيسى الترمذي ، عن سفيان بن وَكِيع عن حفص بن غِياث ، عن الحجاج ، عن مكحول ، عن أبى الشمال{[15696]} عن أبي أيوب . . . فذكره ، ثم قال : وهذا أصح من الحديث الذي لم يذكر فيه أبو الشمال{[15697]}-{[15698]} .
وقوله : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ } أي : لم يكن يأتي قومَه بخارق إلا إذا أُذِنَ له فيه ، ليس ذلك إليه ، بل إلى الله ، عز وجل ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد .
{ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي : لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها ، وكل شيء عنده بمقدار ، { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [ الحج : 70 ]{[15699]} .
وكان الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي : لكل كتاب أجل يعني{[15700]} لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله ومقدار معين ، فلهذا يمحو{[15701]} ما يشاء منها ويثبت ، يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.