التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

ثم وبخ - سبحانه - المشركين لعدم تفكرهم وتدبرهم واتعاظهم بآثار من قبلهم ، فقال - تعالى - : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا . . . }

والهمزة للاستفهام الإِنكارى ، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام .

والخطاب لمشركى مكة ومن كان على شاكلتهم في الكفر والضلال .

والمراد بالأرض هنا : أرض الكفرة والظالمين .

والأطراف جمع طرف وهو جانب الشئ .

والمعنى : أعمى هؤلاء الكافرين عن التفكير والاعتبار ، ولم يروا كيف أن قدرة الله القاهرة ، قد أتت على الأمم القوية الغنية - حين كفرت بنعمه - سبحانه - ، فصيرت قوتها ضعفا وغناها فقرا ، وعزها ذلا ، وأمنها خوفا . . وحصرتها في رقعة ضيقة من الأرض ، بعد أن كانت تملك الأراضى الفسيحة ، والأماكن المترامية الأطراف .

فالآية الكريمة بشارة للمؤمنين ، وإنذار للكافرين .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ الغالبون } قال الآلوسى ما ملخصه : " وروى عن ابن عباس أن المراد بانتقاص الأرض : موت أشرافها وكبرائها وذهاب العلماء منها . وعليه يكون المراد بالأرض جنسها وبالأطراف الأشراف والعلماء ، وشاهده قول الفرزدق :

واسأل بنا وبكم ، إذا وردت منى *** أطراف كل قبيلة ، من يتبع ؟

يريد أشراف كل قبيلة .

وتقرير الآية عليه : أو لم يروا أنا نحدث في الدنيا من الاختلافات خرابا بعد عمارة ، وموتا بعد حياة ، وذلا بعد عز . . فما الذي يؤمنهم أن يقلب الله - تعالى - الأمر عليهم فيجعلهم أذلة بعد أن كانوا أعزة . .

ثم قال : وهو كما ترى :

والأول - وهو أن يكون المراد بالأرض : أرض الكفر ، وبالأطراف الجوانب - أوفق بالمقام ، ولا يخفى ما في التعبير بالإتيان المؤذن بعظيم الاستيلاء من الفخامة ، وجملة " ننقصها " في موضع الحال من فاعل نأتى . . " .

وقوله - سبحانه - : { والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } بيان لعلو شأن حكمه - تعالى - ونفاذ أمره .

والمعقب : هو الذي يتعقب فعل غيره ، أو قوله فيبطله أو يصححه .

أى : والله - تعالى - يحكم ما يشاء أن يحكم به في خلقه ، لاراد لحكمه ، ولا دافع لقضائه ، ولا يتعقب أحد ما حكم به بتغيير أو تبديل ، وقد حكم - سبحانه - بعزة الإِسلام ، وعلو شأنه وشأن أتباعه على سائر الأمم والأديان . .

وقوله { وَهُوَ سَرِيعُ الحساب } أى : وهو - سبحانه - سريع المحاسبة والمجازاة ، لأنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه غيره من الإِحصاء والعد ، إذ هو - سبحانه - محيط بكل شئ ، فلا تستبطئ . عقابهم - أيها الرسول الكريم - فإن ما وعدناك به واقع لا محالة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (41)

وقوله : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } قال ابن عباس : أو لم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض ؟

وقال في رواية : أو لم يروا إلى القرية تخرب ، حتى يكون العمران في ناحية ؟

وقال مجاهد وعِكْرِمة : { نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } قال : خرابها .

وقال الحسن والضحاك : هو ظهور المسلمين على المشركين .

وقال العوفي عن ابن عباس : نقصان أهلها وبركتها .

وقال مجاهد : نقصان الأنفس والثمرات وخراب الأرض .

وقال الشعبي : لو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حُشُّك ، ولكن تنقص الأنفس والثمرات . وكذا قال عِكْرِمة : لو كانت الأرض تنقص لم تجد مكانا تقعد فيه ، ولكن هو الموت .

وقال ابن عباس في رواية : خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها . وكذا قال مجاهد أيضا : هو موت العلماء .

وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز أبي القاسم المصري الواعظ{[15727]} سكن أصبهان ، حدثنا أبو محمد طلحة بن أسد المرئي بدمشق ، أنشدنا أبو بكر الآجري بمكة قال : أنشدنا أحمد بن غزال لنفسه :

الأرض تحيَا إذا ما عَاش عالمها *** مَتَى يمُتْ عَالم منها يمُت طَرفُ

كالأرض تحْيَا إذا ما الغيث حَل بها *** وإن أبى عَاد في أكنافهَا التَّلَفُ

والقول الأول أولى ، وهو ظهور الإسلام على الشرك قرية بعد قرية ، [ وكَفْرًا بعد كَفْر ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى } [ الأحقاف : 27 ] الآية ، وهذا اختيار ابن جرير ، رحمه الله ]{[15728]}


[15727]:- لم أعثر على ترجمته في المخطوط من تاريخ دمشق ولا في المختصر لابن منظور.
[15728]:- زيادة من ت ، أ.