التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

ثم ختم - سبحانه - هذا الحديث الجامع عن صفات المنافقين عند الشدائد والمحق فقال : { يَحْسَبُونَ الأحزاب لَمْ يَذْهَبُواْ } .

أى : أن هؤلاء المنافقين بلغ بهم الجبن والخور ، أنهم حتى بعد رحيل الأحزاب عن المدينة ، ما زالوا يحسبون ويظنون أنهم لم يذهبوا عنها ، فهم يأبون أن يصدقوا أن الله - تعالى - قد رد الذين كفروا بغيظهم دون أن ينالوا خيرا .

وفى هذه الجملة ما فيها من التهكم بالمنافقين ، حيث وصفتهم بأنهم حتى بعد ذهاب أسباب الخوف ، ما زالوا فى جبنهم يعيشون .

ثم بين - سبحانه - حالهم فيما لو عاد الأحزاب على سبيل الفرض والتقدير فقال : { وَإِن يَأْتِ الأحزاب } .

أى : إلى المدينة مرة ثانية .

{ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعراب } أى : وإن تعد جيوش الأحزاب إلى مهاجمة المدينة مرة ثانية ، يتمنى هؤلاء المنافقون ، أن يكونوا غائبين عنها ، نازلين خارجها مع أهل البوادى من الأعراب ، حتى لا يعرضوا أنفسهم للقتال .

فقوله : { بَادُونَ } جمع باد وهو ساكن البادية . يقال : بدا القوم بَدَّا ، إذا نزحوا من المدن إلى البوادى .

والأعراب : جمع أعرابى وهو من يسكن البادية .

ثم بين - سبحانه - تلهفهم على سماع الأخبار السيئة عن المؤمنين فقال : { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قاتلوا إِلاَّ قَلِيلاً } .

أى : هؤلاء المنافقون يسألون القادمين من المدينة ، والذاهبين إليها من أخباركم - أيها المؤمنون - حتى لكأنهم غير ساكنين فيها .

ولو كانوا فيكم عندما يعود الكافرون إلى المدينة - على سبيل الفرض - ما قاتلوا معكم إلا قتالا قليلا حتى لا ينكشف أمرهم انكشافا تاما . فهم لا يقاتلون عن رغبة ، وإنما يقاتلون رياء ومخادعة .

وهكذا نجد الآيات الكريمة قد أفاضت فى شرح الأحوال القبيحة التى كان عليها المنافقون عندما هاجمت جيوش الأحزاب المدينة ، ووصفتهم بأبشع الصفات وأبغضها إلى كل نفس كريمة ، حتى يحذرهم المؤمنون .

وكعادة القرآن الكريم فى المقارنة بين الأخيار والأشرار ، ساقت السورة بعد ذلك صورة مشرقة مضيئة للمؤمنين الصادقين ، الذين عندما رأوا جيوش الأحزاب قالوا : { هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ } والذين صدقوا ما عدوا الله عليه دون أن يبدلوا تبديلا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

وهذا أيضا من صفاتهم القبيحة في الجبن والخوف والخور ، { يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا } بل هم قريب منهم ، وإن لهم عودة إليهم { وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ } أي : ويَوَدّون إذا جاءت الأحزاب أنهم لا يكونون{[23259]} حاضرين معكم في المدينة بل في البادية ، يسألون عن أخباركم ، وما كان من أمركم مع عدوكم ، { وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا } أي : ولو كانوا بين أظهركم ، لما قاتلوا معكم إلا قليلا ؛ لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم .


[23259]:- في ت: "لا يكونوا".