التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ} (23)

وقوله - تعالى : { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } تأكيد لوحدانيته وقدرته - سبحانه - أى : لا يسأله سائل - سبحانه - عما يفعله بعباده من إعزاز وإذلال . وهداية وإضلال ، وغنى وفقر ، وصحة ومرض ، وإسعاد وإشقاء . . . لأنه هو الرب المالك المتصرف فى شئون خلقه ، وهم يسألون يوم القيامة عن أعمالهم وأقوالهم لأنهم عبيده ، وقد أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ، فمنهم من اتبع الرسل فسعد وفاز ، ومنهم من استحب العمى على الهدى فشقى وهلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ} (23)

( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) . .

ومتى كان المسيطر على الوجود كله يسأل ؛ ومن ذا الذي يسأله ؛ وهو القاهر فوق عباده ، وإرادته طليقة لا يحدها قيد من إرادة أخرى ، ولا حتى من الناموس الذي ترتضيه هي وتتخذه حاكما لنظام الوجود ? والسؤال والحساب إنما يكونان بناء على حدود ترسم ومقياس يوضع . والإرادة الطليقة هي التي تضع الحدود والمقاييس ، ولا تتقيد بما تضع للكون من الحدود والمقاييس إلا كما تريد . والخلق مأخوذون بما تضع لهم من تلك الحدود فهم يسألون .

وإن الخلق ليستبد بهم الغرور أحيانا فيسألون سؤال المنكر المتعجب : ولماذا صنع الله كذا . وما الحكمة في هذا الصنيع ? وكأنما يريدون ليقولوا : إنهم لا يجدون الحكمة في ذلك الصنيع !

وهم يتجاوزون في هذا حدود الأدب الواجب في حق المعبود ، كما يتجاوزون حدود الإدراك الإنساني القاصر الذي لا يعرف العلل والأسباب والغايات وهو محصور في حيزه المحدود . .

إن الذي يعلم كل شيء ، ويدبر كل شيء ، ويسيطر على كل شيء ، هو الذي يقدر ويدبر ويحكم . ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ} (23)

الأظهر أن هذه الجملة حال مكملة لمدلول قوله تعالى : { لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون } [ الأنبياء : 1920 ] كما تقدم عند قوله تعالى : { أم اتخذوا آلهة من الأرض } [ الأنبياء : 21 ] الخ . . فالمعنى أن مَنْ عنده وهم المقربون من المخلوقات هم مع قربهم يُسألون عما يفعلون ولا يسألونه عما يفعل ، أي لم يبلغ بهم قربهم إلى حدّ الإدلال عليه وانتصابهم لتعقب أفعاله . فلما كان الضمير المرفوع بالنيابة عن الفاعل مشعراً بفاعل حُذف لقصد التعميم ، أي لا يَسأل سائلٌ الله تعالى عما يفعل . وكان ممن يشملهم الفاعل المحذوف هم مَن عنده من المقربين ، صَحّ كون هذه الجملة حالاً من { مَن عنده } [ الأنبياء : 19 ] ، على أن جملة { لا يسأل عما يفعل } تمهيد لجملة { وهم يسألون } .

على أن تقديمه على جملة { وهم يسألون } اقتضته مناسبة الحديث عن تنزيهه تعالى عن الشركاء فكان انتقالاً بديعاً بالرجوع إلى بقية أحوال المقربين .

فالمقصود أن مَن عنده مع قربهم ورفعة شأنهم يحاسبهم الله على أعمالهم فهم يخافون التقصير فيما كلفوا به من الأعمال ولذلك كانوا لا يستحسرون ولا يفترون .

وبهذا تعلم أن ليس ضمير { وهم يسألون } براجع إلى ما رجع إليه ضمير { يَصفون } [ الأنبياء : 22 ] لأن أولئك لا جَدوى للإخبار بأنهم يُسألون إذ لا يتردد في العلم بذلك أحدٌ ، ولا براجع إلى { آلهة من الأرض } [ الأنبياء : 21 ] لعدم صحة سؤالهم ، وذلك هو ما دعانا إلى اعتبار جملة { لا يسأل عما يفعل } حالاً مِن { مَن عنده } [ الأنبياء : 19 ] .

والسؤال هنا بمعنى المحاسبة ، وطلب بيان سبب الفعل ، وإبداء المعذرة عن فعل بعض ما يُفعل ، وتخلّص من ملام أو عتاب على ما يفعل . وهو مثل السؤال في الحديث « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » . فكونهم يسألون كناية عن العبودية لأن العبد بمظنة المؤاخذة على ما يَفعل وما لا يفعل وبمظنة التعرض للخطأ في بعض ما يفعل .

وليس المقصود هنا نفي سؤال الاستشارة أو تطلب العلم كما في قوله تعالى { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } [ البقرة : 30 ] ، ولا سؤالَ الدعاء ، ولا سؤال الاستفادة والاستنباط مثل أسئلة المتفقهين أو المتكلمين عن الحِكَم المبثوثة في الأحكام الشرعية أو في النظم الكونية لأن ذلك استنباط وتتبع وليس مباشرةً بسؤال الله تعالى ، ولا لتطلب مخلص من ملام . وفي هذا إبطال لإلهية المقربين التي زعمها المشركون الذين عبدوا الملائكة وزعموهم بنات الله تعالى ، بطريقة انتفاء خاصية الإله الحق عنهم إذ هم يُسألون عما يفعلون وشأن الإله أن لا يُسأل . وتُستخرج من جملة { لا يسأل عما يفعل } كنايةٌ عن جريان أفعال الله تعالى على مقتضى الحكمة بحيث إنها لا مجال فيها لانتقاد منتقد إذا أتقن الناظر التدبّر فيها أو كُشف له عما خفي منها .