التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَـٰٓأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ} (26)

ثم يحكى القرآن بعد ذلك ، ما أشارت به إحدى الفتاتين على أبيها : فقال - تعالى - : { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا } ولعلها التى جاءت إلى موسى على استحياء لتقوله له : { إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } .

{ ياأبت استأجره } أى : قالت لأبيها بوضوح واستقامة قصد - شأن المرأة السليمة القطرة النقية العرض القوية الشخصية - يا أبت استأجر هذا الرجل الغريب ليكفينا تعب الرعى ، ومشقة العمل خارج البيت .

ثم عللت طلبها بقولها : { إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين } أى : استأجره ليرى غنمنا ، فإنه جدير بهذه المهمة ، لقوته وأمانته ، ومن جمع فى سلوكه وخلقه بين القوة والأمانة ، كان أهلا لكل خير ، ومحلا لثقة الناس به على أموالهم وأعراضهم .

قال ابن كثير : قال عمر ، وابن عباس ، وشريح القاضى ، وأبو مالك ، وقتادة . . . وغير واحد : لما قالت : { إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين } قال لها أبوها : وما علمك بذلك ؟ قالت : إنه رفع الصخرة التى لا يطيق حملها إلا عشرة رجال ، وأنه لما جئت معه تقدمت أمامه ، فقال لى : كونى من ورائى ، فإذا اجتنبت الطريق فاحذفى - أى فارمى - بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأهتدى إليه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَـٰٓأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ} (26)

ثم نسمع في المشهد صوت الأنوثة المستقيمة السليمة :

( قالت إحداهما ؛ يا أبت استأجره . إن خير من استأجرت القوي الأمين ) .

إنها وأختها تعانيان من رعي الغنم ، ومن مزاحمة الرجال على الماء ، ومن الاحتكاك الذي لا بد منه للمرأة التي تزاول أعمال الرجال . وهي تتأذى وأختها من هذا كله ؛ وتريد أن تكون امرأة تأوي إلى بيت ؛ امرأة عفيفة مستورة لا تحتك بالرجال الغرباء في المرعى والمسقى . والمرأة العفيفة الروح النظيفة القلب ، السليمة الفطرة ، لا تستريح لمزاحمة الرجال ، ولا للتبذل الناشئ من هذه المزاحمة .

وها هو ذا شاب غريب طريد وهو في الوقت ذاته قوي أمين . رأت من قوته ما يهابه الرعاء فيفسحون له الطريق ويسقي لهما . وهو غريب . والغريب ضعيف مهما اشتد . ورأت من أمانته ما يجعله عف اللسان والنظر حين توجهت لدعوته . فهي تشير على أبيها باستئجاره ليكفيها وأختها مؤنة العمل والاحتكاك والتبذل . وهو قوي على العمل ، أمين على المال . فالأمين على العرض هكذا أمين على ما سواه . وهي لا تتلعثم في هذه الإشارة ولا تضطرب ، ولا تخشى سوء الظن والتهمة . فهي بريئة النفس ، نظيفة الحس ؛ ومن ثم لا تخشى شيئا ، ولا تتمتم ولا تجمجم وهي تعرض اقتراحها على أبيها .

ولا حاجة لكل ما رواه المفسرون من دلائل قوة موسى . كرفع الحجر الذي يغطي البئر وكان لا يرفعه - فيما قالوا - إلا عشرون أو أربعون أو أكثر أو أقل . فالبئر لم يكن مغطى ، إنما كان الرعاء يسقون فنحاهم وسقى للمرأتين ، أو سقى لهما مع الرعاء .

ولا حاجة كذلك لما رووه عن دلائل أمانته من قوله للفتاة : امشي خلفي ودليني على الطريق خوف أن يراها . أو أنه قال لها هذا بعد أن مشى خلفها فرفع الهواء ثوبها عن كعبها . . فهذا كله تكلف لا داعي له ، ودفع لريبة لا وجود لها . وموسى - عليه السلام - عفيف النظر نظيف الحس ، وهي كذلك ، والعفة والأمانة لا تحتاجان لكل هذا التكلف عند لقاء رجل وامرأة . فالعفة تنضح في التصرف العادي البسيط بلا تكلف ولا اصطناع !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَـٰٓأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ} (26)

فلما فرغ كلامهما قالت الابنة التي ذهبت عنه { يا أبت استأجره } الآية ، فما وصفته بالقوة والأمانة قال لها أبوها ومن أين عرفت هذا منه ؟ فقالت : أما قوته ففي رفع الصخرة وأما أمانته ففي تحرجه من النظر إليَّ وقت هبوب الريح ، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم ، فقال له عند ذلك الأب { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيَّ } .