التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

حكى القرآن ما سأله هؤلاء المشركون لأنفسهم عندما تلفتوا فى النار ، فلم يجدوا أحداً من المؤمنين الذين كانوا يصفونهم بأنهم من الأشرار فقال : { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصار } .

أى : إنهم بعد أن دخلوا النار أخذوا يدورون بأعينهم فيها فلم يروا المؤمنين الذين كانوا يستهزئون بهم فى الدنيا ، فقالوا فيما بينهم : ما بالنا لا نرى الرجال الذين كنا نسخر منهم فى الدنيا ، ألم يدخلوا معنا النار ؟ أم دخلوها ولكن أبصارنا لا تراهم وزاغت عنهم ؟

فهم يتحسرون على أحوالهم البائسة بعد أن وجدوا أنفسهم فى النار ، وليس معهم من كانوا يسخرون منهم فى الدنيا وهم فقراء المؤمنين .

قال صاحب الكشاف : قوله : { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً } قرئ بلفظ الإِخبار على أنه صفة للقوله { رجالا } مثل قوله { كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأشرار } وقرئ بهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم وتأنيب لها فى الاستسخار منهم .

وقوله : { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصار } له وجهان من الاتصال : أحدهما : أن يتصل بقوله : { مالنا } أى : مالنا لا نراهم فى النار ؟ كأنهم ليسوا فيها ، بل أزاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم فيها ؟ قسموا أمرهم بين أن يكونوا من أهل الجنة وبين أن يكونوا من أهل النار إلا أنهم خفى عليهم مكانهم .

الوجه الثانى : أن يتصل بقوله : { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً . . } على معنى أى الفعلين فعلنا بهم : الاستسخار منهم ، أم الازدراء بهم والتحقير ، وأن أبصارنا كانت تعلو عنهم وتقتحمهم ، على معنى إنكار الأمرين جميعاً على أنفسهم . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

ثم ماذا ? ثم ها هم أولاء يفتقدون المؤمنين ، الذين كانوا يتعالون عليهم في الدنيا ، ويظنون بهم شراً ، ويسخرون من دعواهم في النعيم . ها هم أولاء يفتقدونهم فلا يرونهم معهم مقتحمين في النار ، فيتساءلون : أين هم ? أين ذهبوا ? أم تراهم هنا ولكن زاغت عنهم أبصارنا ? : وقالوا : ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخرياً ? أم زاغت عنهم الأبصار ? . . بينما هؤلاء الرجال الذين يتساءلون عنهم هناك في الجنان !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

{ أتخذناهم سخريا } صفة أخرى ل { رجالا } ، وقرأ الحجازيان وابن عامر وعاصم بهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم وتأنيب لها في الاستسخار منهم ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي { سخريا } بالضم وقد سبق مثله في " المؤمنين " . { أم زاغت } مالت . { عنهم الأبصار } فلا نراهم { أم } معادلة ل { ما لنا لا نرى } على أن المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم كأنهم قالوا : أليسوا ها هنا أم زاغت عنهم أبصارنا ، أو لاتخذناهم على القراءة الثانية بمعنى أي الأمرين فعلنا بهم الاستسخار منهم أم تحقيرهم ، فإن زيغ الأبصار كناية عنه على معنى إنكارهما على أنفسهم ، أو منقطعة والمراد الدلالة على أن استرذالهم والاستسخار منهم كان لزيغ أبصارهم وقصور أنظارهم على رثاثة حالهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : { أتخذناهم سخرياً } بألف الاستفهام ، ومعناها : تقرير أنفسهم على هذا على جهة التوبيخ لها والأسف ، أي أتخذناهم سخرياً ولم يكونوا كذلك ، واستبعد معنى هذه القراءة أبو علي . وقرأ نافع وحمزة والكسائي : «سُخريا » بضم السين ، وهي قراءة الأعرج وشيبة وأبي جعفر وابن مسعود وأصحابه ومجاهد والضحاك ، ومعناها : من السخرة والاستخدام . وقرأ الباقون : «سِخرياً » بكسر السين وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وعيسى وابن محيصن ومعناها المشهور من السخر الذي هو الهزء ، ومنه قول الشاعر [ عامر بن الحارث ] : [ البسيط ]

إني أتاني لسان لا أسر بها*** من علو لا كذب فيها ولا سخر

وقالت فرقة يكون كسر السين من التسخير .

و { أم } في قولهم : { أم زاغت } معادلة ل { ما } في قولهم : { ما لنا لا نرى } وذلك أنها قد تعادل { ما } ، وتعادل من ، وأنكر بعض النحويين هذا ، وقال : إنها لا تعادل إلا الألف فقط . والتقدير في هذه الآية : أمفقودون هم أم زاغت ؟ ومعنى هذا الكلام : أليسوا معنا أم هم معنا ولكن أبصرنا تميل عنهم فلا تراهم ؟ ، والزيغ : الميل .