التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا} (48)

ثم ذكر - سبحانه - نعمته فى الرياح ، حيث تكون بشيرا بالأمطار التى تحييى الأرض بعد موتها ، فقال - تعالى - : { وَهُوَ الذي أَرْسَلَ الرياح بُشْرَى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } .

وبشرا : أى : مبشرات بنزول الغيث المستتبع لمنفعة الخلق .

أى : وهو - سبحانه - الذى أرسل - بقدرته - الرياح لتكون بشيرا لعباده بقرب نزول رحمته المتمثلة فى الغيث الذى به حياة الناس والأنعام وغيرهما .

قال الجمل : " الرياح " أى : المبشرات وهى الصبا - وتأتى من جهة مطلع الشمس - والجنوب والشمال ، والدبور - وتأتى من ناحية مغرب الشمس - وفى قراءة سبعية : وهو الذى أرسل الريح .

. . على إرادة الجنس ، و " بشرا " قرىء بسكون الشين وضمها وقرىء - أيضا - نشرا ، أى : متفرقة قدام المطر .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعال - : { وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الولي الحميد } ثم ذكر - سبحانه - ما ترتب على إرسال الرياح من خير فقال : { وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً . . } .

أى : وأنزلنا من السماء ماء طاهرا فى ذاته ، مطهرا لغيره ، سائغا فى شربه ، نافعا للإنسان والحيوان والنبات والطيور وغير ذلك من المخلوقات .

ووصف - سبحانه - الماء بالطهور زيادة فى الإشعار بالنعمة وزيادة فى إتمام المنة ، فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما ليس كذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا} (48)

45

ثم ظاهرة الرياح المبشرة بالمطر وما يبثه من حياء :

وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ، وأنزلنا من السماء ماء طهورا ، لنحيي به بلدة ميتا ، ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا . .

والحياة على هذه الأرض كلها تعيش على ماء المطر إما مباشرة ، وإما بما ينشئه من جداول وأنهار على سطح الأرض . ومن ينابيع وعيون وآبار من المياه الجوفية المتسربة إلى باطن الأرض منه ، ولكن الذين يعيشون مباشرة على المطر هم الذين يدركون رحمة الله الممثلة فيه إدراكا صحيحا كاملا . وهم يتطلعون إليه شاعرين بأن حياتهم كلها متوقفة عليه ، وهم يترقبون الرياح التي يعرفونها تسوق السحب ، ويستبشرون بها ؛ ويحسون فيها رحمة الله - إن كانوا ممن شرح الله صدورهم للإيمان .

والتعبير يبرز معنى الطهارة والتطهير : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا )وهو بصدد ما في الماء من حياة . ( لنحيي به بلدة ميتا ، ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا )فيلقي على الحياة ظلا خاصا . ظل الطهارة . فالله سبحانه أراد الحياة طاهرة نقية وهو يغسل وجه الأرض بالماء الطهور الذي ينشى ء الحياة في الموات ويسقي الأناسي والأنعام .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا} (48)

{ وهو الذي أرسل الرياح } وقرأ ابن كثير على التوحيد إرادة للجنس . { نشرا } ناشرات للحساب جمع نشور ، وقرأ ابن عامر بالسكون على التخفيف وحمزة والكسائي به وبفتح النون على أنه مصدر وصف به وعاصم { بشرا } تخفيف بشر جمع بشور بمعنى مبشر { بين يدي رحمته } يعني قدام المطر . { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } مطهرا لقوله { ليطهركم به } . وهو اسم لما يتطهر به كالوضوء والوقود لما يتوضأ به ويوقد به . قال عليه الصلاة والسلام " التراب طهور المؤمن " ، " طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعا إحداهن بالتراب " . وقيل بليغا في الطهارة وفعول وإن غلب في المعنيين لكنه قد جاء للمفعول كالضبوث وللمصدر كالقبول وللاسم كالذنوب ، وتوصيف الماء به إشعارا بالنعمة فيه وتتميم للمنة فيما بعده فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهوريته ، وتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها فبواطنهم بذلك أولى .