التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (40)

ثم ختم - سبحانه - الحديث عن هؤلاء المكذبين ، ببيان سنة من سننه التى لا تتخلف ، فقال : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } .

أى : فكلا من هؤلاء المذكورين كقوم نوح وإبراهيم ولوط وشعيب وهود وصالح ، وكقارون وفرعون وهامان وأمثالهم : كلا من هؤلاء الظالمين أخذناه وأهلكناه بسبب ذنوبه التى اصر عليها دون أن يرجع عنها .

{ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً } أى : فمن هؤلاء الكافرين من أهلكناه ، بأن أرسلنا عليه ريحا شديدة رمته بالحصباء فأهلكته .

قال القرطبى : قوله : { فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً } يعنى قوم لوط . والحاصب ريح يأتى بالحصباء ، وهى الحصى الصغار . وتستعمل فى كل عذاب .

{ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة } كما حدث لقوم صالح وقوم شعيب - عليهما السلام - .

{ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض } وهو قارون .

{ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا } كما فعلنا مع قوم نوح ومع فرعون وقومه .

{ وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ } أى : وما كان الله - تعالى - مريدا لظلمهم ، لأنه - سبحانه - اقتضت رمته وحكمته ، أن لا يعذب أحدا بدون ذنب ارتكبه .

{ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أى : ما ظلم الله - تعالى - هؤلاء المهلكين ، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم ، وعرضوها للدمار ، بسبب إصرارهم على كفرهم ، واتباعهم للهوى والشيطان .

وبذلك نرى الآيات قد قصت على الناس مصارع الغاربين ، الذين كذبوا الرسل ، وحاربوا دعوة الحق ، ليكون فى هذا القصص عبرة للمعتبرين ، وذكرى للمتذكرين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (40)

14

هؤلاء الذين ملكوا القوة والمال وأسباب البقاء والغلبة ، قد أخذهم الله جميعا . بعد ما فتنوا الناس وآذوهم طويلا :

( فكلا أخذنا بذنبه ، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من خسفنا به الأرض ، ومنهم من أغرقنا . وما كان الله ليظلمهم ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) .

فعاد أخذهم حاصب وهو الريح الصرصر التي تتطاير معها حصباء الأرض فتضربهم وتقتلهم ، وثمود أخذتهم الصيحة . وقارون خسف به وبداره الأرض ، وفرعون وهامان غرقا في اليم . وذهبوا جميعا مأخوذين بظلمهم . ( وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (40)

{ فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ } أي : كانت عقوبته بما يناسبه ، { فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا } ، وهم عاد ، وذلك أنهم قالوا : مَنْ أشدُّ منا قوة ؟ فجاءتهم ريح صرصر باردة شديدة البرد ، عاتية شديدة الهبوب جدا ، تحمل عليهم حصباء الأرض فتقلبها عليهم ، وتقتلعهم من الأرض فترفع الرجل منهم إلى عَنَان السماء ، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى بدنًا بلا رأس ، كأنهم أعجاز نخل منقعر{[22584]} . { وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ } ، وهم ثمود ، قامت عليهم الحجة وظهرت لهم{[22585]} الدلالة ، من تلك الناقة التي انفلقت عنها الصخرة ، مثل ما سألوا سواء بسواء ، ومع هذا ما آمنوا بل استمروا على طغيانهم وكفرهم ، وتهددوا نبي الله صالحا ومَنْ آمن معه ، وتوعَّدوهُم بأن يخرجوهم ويرجموهم ، فجاءتهم صيحة أخمدت الأصوات منهم والحركات . { وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ } ، وهو قارون الذي طغى وبغى وعتا ، وعصى الرب الأعلى ، ومشى في الأرض مرحًا ، وفرح ومرح وتاه بنفسه ، واعتقد أنه أفضل من غيره ، واختال في مشيته ، فخسف الله به وبداره الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . { وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا } ، وهم{[22586]} فرعون ووزيره هامان ، وجنوده عن آخرهم ، أغرقوا في صبيحة واحدة ، فلم ينج منهم مخبر ، { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } أي : فيما فعل بهم ، { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي : إنما فعل ذلك بهم جزاء وفاقا بما كسبت أيديهم .

وهذا الذي ذكرناه ظاهر سياق الآية ، وهو من باب اللف والنشر ، وهو أنه ذكر الأمم المكذبة ، ثم قال : { فَكُلا{[22587]} أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ } [ الآية ]{[22588]} ، أي : من هؤلاء المذكورين ، وإنما نبهتُ على هذا لأنه قد روي أن ابن جريج قال : قال{[22589]} ابن عباس في قوله : { فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا } ، قال : قوم لوط . { وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا } ، قال : قوم نوح .

وهذا{[22590]} منقطع عن ابن عباس ؛ فإن ابن جُرْيَج لم يدركه . ثم قد ذكر في هذه السورة إهلاك قوم نوح بالطوفان ، وقوم لوط بإنزال الرجز من السماء ، وطال السياقُ والفصلُ بين ذلك وبين هذا السياق .

وقال قتادة : { فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا } قال : قوم لوط ، { وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ } ، قوم شعيب . وهذا بعيد أيضا لما تقدم ، والله أعلم .


[22584]:- في ف ، أ : "خاوية".
[22585]:- في ف ، أ : "عليهم".
[22586]:- في ف ، أ : "وهو".
[22587]:- في ت : "فمنهم" وهو خطأ.
[22588]:- زيادة من أ.
[22589]:- في ت : "عن".
[22590]:- في ت : "وهو".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (40)

والذين أرسل عليهم الحاصب قال ابن عباس : هم قوم لوط .

قال الفقيه الإمام القاضي : ويشبه أن يدخل قوم عاد في «الحاصب » لأن تلك الريح لا بد أنها كانت تحصبهم بأمور مؤذية ، و «الحاصب » هو العارض من ريح أو سحاب إذا رمى بشيء ومنه قول الفرزدق :

مستقبلين شمال الشام تضربنا *** بحاصب كنديف القطن منثور{[1]}

ومنه قول الأخطل : [ الكامل ]

ترمي العضاة بحاصب من ثلجها . . . حتى يبيت على العضاة جفالا{[2]}

ومنه قول الفرزدق : [ البسيط ]

مستقبلين شمال الشام تضربهم . . . بحاصب كنديف القطن منثور

والذين أخذتهم { الصيحة } قوم ثمود ، قاله ابن عباس وقال قتادة : هم قوم شعيب ، و «الخسف » كان بقارون ، قاله ابن عباس .

قال الفقيه الإمام القاضي : ويشبه أن يكون أصحاب الرجفة في هذا النوع من العذاب ، والغرق كان في قوم نوح ، وبه فسر ابن عباس وفي فرعون وحزبه ، وبه فسر قتادة ، وظلمهم أنفسهم كان بالكفر ووضع العبادة في غير موضعها وقدم المفعول على { يظلمون } للاهتمام وهذا نحو { إياك نعبد }{[3]} [ الفاتحة : 5 ] وغيره ، وحكى الطبري عن قتادة أن رجفة قوم شعيب كان صيحة أرجفتهم على هذا مع ثمود .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.