ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن مظاهر قدرة الله وأدلة وحدانيته ، فذكرت الناس بمبدأ نشأتهم ، وكيف أن بعضهم قد انحرف عن طريق التوحيد إلى طريق الشرك ، وساقت ذلك في صورة القصة لضرب المثل من واقع الحياة فقالت : { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ . . . } .
قوله - تعالى - { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } استئناف مسوق لبيان ما يقتضى التوحيد الذي هو المقصد الأعظم .
أى : إن الذي يستحق العبادة والخضوع ، والذى عنده مفاتح الغيب هو الله الذي خلقكم من نفس واحدة هى نفس أبيكم آدم ، وجعل من نوع هذه النفس وجنسها زوجها حواء ، ثم انتشر الناس منهما بعد ذلك كما قال - تعالى - { ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } وقوله { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } أى : ليطمئن إليهاويميل ولا ينفر ، لأن الجنس إلى الجنس أميل وبه آنس . وإذا كانت بعضا منه كان السكون والمحبة أبلغ ، كما يسكن الإنسان إلى ولده ويحبه محبة نفسه لكونه بضعة منه .
فالأصل في الحياة الزوجية هو السكن والاطمئنان والأنس والاستقرار وهذه نظرة الإسلام إلى تلك الحياة قال - تعالى - { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } والضمير المستكين في { لِيَسْكُنَ } يعود إلى النفس ، وكان الظاهر تأنيثه لأن النفس من المؤنثات السماعية ولذا أنثت صفتها وهى قوله { وَاحِدَةٍ } إلا أنه جاء مذكرا هنا باعتبار أن المراد من النفس هنا - آدم عليه السلام - " ولو أنث على حسب الظاهر لتوهم نسبة السكون إلى الأنثى ، فكان التذكير كما يقول الزمخشرى - أحسن طباقا للمعنى .
وقوله { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ } .
الغشاء : غطاء الشىء الذي يستره من فوقه ، والغاشية ؛ الظلة التي تظل الإنسان من سحابة أو غيرها . والتغشى كناية عن الجماع . أى فلما تغشى الزوج الذي هو الذكر الزوجى التي هى الأنثى وتدثرها لقضاء شهوتهما { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } . أى : حملت منه محمولا خفيفا وهو الجنين في أول حملة لا تجد المرأة له ثقلا لأنه يكون نطفة ثم مضغة ، ولا ثقل له يذكر في تلك الأحوال { فَمَرَّتْ بِهِ } أى : فمضت به إلى وقت ميلاده من غير نقصان ولا إسقاط . أو المعنى : فاستمرت به كما كانت من قبل حيث قامت وقعدت وأخذت وتركت من غير مشقة وتلك هى المرحلة الأولى من مراحل الحمل .
وتأمل معى - أيها القارىء الكريم - مرة أخرى قوله - تعالى - : { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } لترى سمو القرآن في تعبيره ، وأدبه في عرض الحقائق . إن أسلوبه يلطف ويدق عند تصوير العلاقة بين الزوجين ، فهو يسوقها عن طريق كناية بديعة تتناسب مع جو السكن والمودة بين الزوجين وتتسق مع جو الستر الذي تدعو إليه الشريعة الإسلامية عند المباشرة بين الرجل والمرأة ، ولا نجد كلمة تؤدى هذه المعانى أفضل من كلمة { تَغَشَّاهَا } .
ثم تأتى المرحلة الثانية من مراحل الحمل فيعبر عنها القرآن بقوله : { فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين } .
أى : فحين صارت ذات ثقل يسبب نمو الحمل في بطنها ، فالهمزة للصيرورة كقولهم : أتمر فلان وألبن أى : صار ذا تمر ولبن .
أى : وحين صارت الأم كذلك وتبين الحمل ، وتعلق به قلب الزوجين ، توجها إلى ربهما يدعوانه بضراعة وطمع بقولهما : { لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً } أى لئن أعطيتنا نسلا سويا تام الخلقة ، يصلح للأعمال الإنسانية النافعة { لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين } لك على نعمائك التي من أجلها هذه النعمة واستجاب الله للزوجين دعاءهما ، فرزقهما الولد الصالح فماذا كانت النتيجة ؟
لقد كانت النتيجة عدم الوفاء لله فيما عاهداه عليه ، ويحكى القرآن ذلك فيقول : { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا }
ثم جولة جديدة في قضية التوحيد . تأخذ في أولها صورة القصة ، لتصوير خطوات الإنحراف من التوحيد إلى الشرك في النفس . وكأنما هي قصة انحراف هؤلاء المشركين عن دين أبيهم إبراهيم . . ثم تنتهي إلى مواجهتهم بالسخف الذي يزاولونه في عبادة آلهتهم التي كانوا يشركون بها ، وهي ظاهرة البطلان لأول نظرة ولأول تفكير . وتختم بتوجيه الرسول [ ص ] إلى تحديهم هم وهؤلاء الآلهة التي يعبدونها من دون الله ، وأن يعلن التجاءه إلى الله وحده ، وليه وناصره :
( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ، وجعل منها زوجها ليسكن إليها ، فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به ، فلما أثقلت دعوا الله ربهما : لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين . فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما . فتعالى الله عما يشركون ! أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون ؟ ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون ؟ )
( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم ، سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون . إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم ، فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين . ألهم أرجل يمشون بها ؟ أم لهم أيد يبطشون بها ؟ أم لهم أعين يبصرون بها ؟ أم لهم آذان يسمعون بها ؟ قل : ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون . إن وليي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين . والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون . وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) . .
إنها جولة مع الجاهلية في تصوراتها التي متى انحرفت عن العبودية لله الواحد لم تقف عند حد من السخف والضلال ؛ ولم ترجع إلى تدبر ولا تفكير ! وتصوير لخطوات الانحراف في مدارجه الأولى ؛ وكيف ينتهي إلى ذلك الضلال البعيد !
( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ، وجعل منها زوجها ليسكن إليها . فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به ، فلما أثقلت دعوا الله ربهما : لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين ) . .
إنها الفطرة التي فطر الله الناس عليها . . أن يتوجهوا إلى الله ربهم ، معترفين له بالربوبية الخالصة ، عند الخوف وعند الطمع . . والمثل المضروب هنا للفطرة يبدأ من أصل الخليقة ، وتركيب الزوجية وطبيعتها :
( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ، وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) . .
فهي نفس واحدة في طبيعة تكوينها ، وإن اختلفت وظيفتها بين الذكر والأنثى . وإنما هذا الاختلاف ليسكن الزوج إلى زوجه ويستريح إليها . . وهذه هي نظرة الإسلام لحقيقة الإنسان . ووظيفة الزوجية في تكوينه . وهي نظرة كاملة وصادقة جاء بها هذا الدين منذ أربعة عشر قرناً . يوم أن كانت الديانات المحرفة تعد المرأة أصل البلاء الإنساني ، وتعتبرها لعنة ونجساً وفخاً للغواية تحذر منه تحذيراً شديداً ، ويوم أن كانت الوثنيات - ولا تزال - تعدها من سقط المتاع أو على الأكثر خادماً أدنى مرتبة من الرجل ولا حساب له في ذاته على الإطلاق .
والأصل في التقاء الزوجين هو السكن والاطمئنان والأنس والاستقرار . ليظلل السكون والأمن جو المحضن الذي تنمو فيه الفراخ الزغب ، وينتج فيه المحصول البشري الثمين ، ويؤهل فيه الجيل الناشئ لحمل تراث التمدن البشري والإضافة إليه . ولم يجعل هذا الالتقاء لمجرد اللذة العابرة والنزوة العارضة . كما أنه لم يجعله شقاقاً ونزاعاً ، وتعارضاً بين الاختصاصات والوظائف ، أو تكراراً للاختصاصات والوظائف ؛ كما تخبط الجاهليات في القديم والحديث سواء
وبعد ذلك تبدأ القصة . . تبدأ من المرحلة الأولى . .
فلما تغشاها حملت حملاًخفيفا فمرت به . .
والتعبير القرآني يلطف ويدق ويشف عند تصوير العلاقة الأولية بين الزوجين . . ( فلما تغشاها ) . . تنسيقاً لصورة المباشرة مع جو السكن ؛ وترقيقاً لحاشية الفعل حتى ليبدو امتزاج طائفين لا التقاء جسدين . إيحاء " للإنسان " بالصورة " الإنسانية " في المباشرة . وافتراقها عن الصورة الحيوانية الغليظة ! . . كذلك تصوير الحمل في أول أمره ( خفيفاً ) . . تمر به الأم بلا ثقلة كأنها لا تحسه .
( فلما أثقلت دعوا الله ربهما : لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين ) . .
لقد تبين الحمل ، وتعلقت به قلوب الزوجين ، وجاء دور الطمع في أن يكون المولود سليماً صحيحاً صبوحاً . . إلى آخر ما يطمع الآباء والأمهات أن تكون عليه ذريتهم ، وهي أجنة في ظلام البطون وظلام الغيوب . . وعند الطمع تستيقظ الفطرة ، فتتوجه إلى الله ، تعترف له بالربوبية وحده ، وتطمع في فضله وحده ، لإحساسها اللدني بمصدر القوة والنعمة والإفضال الوحيد في هذا الوجود . لذلك ( دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين ) . .
ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم ، عليه السلام ، وأنه خلق منه زوجه{[12502]} حواء ، ثم انتشر الناس منهما ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 13 ] وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً ]{[12503]} } الآية [ النساء : 1 ] .
وقال في هذه الآية الكريمة : { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } أي : ليألفها ويسكن بها ، كما قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } [ الروم : 21 ] فلا ألفة بين زَوْجين أعظم مما بين الزوجين ؛ ولهذا ذكر تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه .
{ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } أي : وطئها { حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا } وذلك أول الحمل ، لا تجد المرأة له ألما ، إنما هي النُّطفة ، ثم العَلَقة ، ثم المُضغة .
وقوله : { فَمَرَّتْ بِهِ } قال مجاهد : استمرت بحمله . وروي عن الحسن ، وإبراهيم النَّخَعَي ، والسُّدِّي ، نحوه .
وقال ميمون بن مهران : عن أبيه استخفته .
وقال أيوب : سألت الحسن عن قوله : { فَمَرَّتْ بِهِ } قال : لو كنت رجلا عربيًا لعرفت ما هي . إنما هي : فاستمرت به .
وقال قتادة : { فَمَرَّتْ بِهِ } واستبان حملها .
وقال ابن جرير : [ معناه ]{[12504]} استمرت بالماء ، قامت به وقعدت .
وقال العَوْفي ، عن ابن عباس : استمرت به ، فشكت : أحملت{[12505]} أم لا .
{ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ } أي : صارت ذات ثقل{[12506]} بحملها .
وقال السدي : كبر الولد في بطنها .
{ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا } أي : بشرا سويا ، كما قال الضحاك ، عن ابن عباس : أشفقا أن يكون بهيمة .
وكذلك{[12507]} قال أبو البَخْتري وأبو مالك : أشفقا ألا يكون إنسانًا .
وقال الحسن البصري : لئن آتيتنا غلامًا .
وقوله تعالى : { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } الآية ، قال جمهور المفسرين : المراد بالنفس الواحدة آدم عليه السلام بقوله : { وجعل منها زوجها } حواء وقوله { منها } يريد ما تقدم ذكره من أن آدم نام فاستخرجت قصرى أضلاعه وخلقت منها حواء وقوله : { ليسكن إليها } أي ليأنس ويطمئن ، وكان هذا كله في الجنة ، ثم ابتدأ بحالة أخرى هي في الدنيا بعد هبوطها ، فقال : { فلما تغشاها } أي غشيها وهي كناية عن الجماع ، و«الحمل الخفيف » هو المني الذي تحمله المرأة في فرجها ، وقرأ جمهور الناس «حَملاً » بفتح الحاء ، وقرأ حماد بن سلمة عن ابن كثير «حِملاً » بكسر الحاء ، وقوله { فمرت به } أي استمرت به ، قال أيوب : سألت الحسن عن قوله : { فمرت به } فقال : لو كنت امرأً عربياً لعرفت ما هي إنما المعنى فاستمرت به .
قال القاضي أبو محمد : وقدره قوم على القلب كأن المراد فاستمر بها كما تقول أدخلت القلنسوة في رأسي ، وقرأ يحيى بن يعمر وابن عباس فيما ذكر النقاش «فمرَت به » بتخفيف الراء ، ومعناه فشكت فيما أصابها هل هو حمل أو مرض ونحو هذا ، وقرأ ابن عباس «فاستمرت به » وقرأ ابن مسعود «فاستمرت بحملها » وقرأ عبد الله بن عمرو بن العاصي «فمارت به » معناه أي جاءت به وذهبت وتصرفت ، كما تقول مارت الريح موراً ، و { أثقلت } دخلت في الثقل كما تقول : أصبح وأمسى أي صارت ذات ثقل كما تقول أتمر الرجل وألبن إذا صار ذا تمر ولبن ، والضمير في { دعوا } على آدم وحواء .
وروي في قصص هذه الآية أن حواء لما حملت أول حمل لم تدرِ ما هو ، وهذا يقوي قراءة من قرأ «فمرَت به » بتخفيف الراء ، فجزعت لذلك فوجد إبليس إليها السبيل ، فقال لها ما يدريك ما في جوفك ، ولعله خنزير أو حية أو بهيمة في الجملة وما يدريك من أين يخرج أينشق له بطنك فتموتين أو على فمك أو أنفك ؟ ولكن إن أطعتني وسميته عبد الحارث .
قال القاضي أبو محمد : والحارث اسم إبليس ، فسأخلصه لك وأجعله بشراً مثلك ، وإن أنت لم تفعلي قتلته لك ، قال فأخبرت حواء آدم فقال لها ذلك صاحبنا الذي أغوانا في الجنة ، لا نطيعه ، فلما ولدت سمياه عبد الله ، فمات الغلام ، ويروى أن الله سلط إبليس على قتله فحملت بآخر ففعل بها مثل ذلك فحملت بالثالث فلما ولدته أطاعا إبليس فسمياه عبد الحارث حرصاً على حياته ، فهذا هو الشرك الذي جعلا لله أي في التسمية فقط .
و { صالحاً } قال الحسن معناه غلاماً ، قال ابن عباس : وهو الأظهر بشراً سوياً سلياً ، ونصبه على المفعول الثاني وفي المشكل لمكي أنه نعت لمصدر أي أتيا صالحاً ، وقال قوم إن المعنى في هذه الآية التبيين عن حال الكافرين فعدد النعم التي تعم الكافرين وغيرهم من الناس ، ثم قرر ذلك بفعل المشركين السيّىء فقامت عليهم الحجة ووجب العقاب ، وذلك أنه قال مخاطباً لجميع الناس { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها } يريد آدم وحواء أي واستمرت حالكم واحداً كذلك ، فهذه نعمة تخص كل أحد بجزء منها ، ثم جاء قوله : { فلما تغشاها } إلى آخر الآية وصفاً لحال الناس واحداً واحداً أي هكذا يفعلون فإذا آتاهم الله الولد صالحاً سليماً كما أراده ، صرفاه عن الفطرة إلى الشرك ، فهذا فعل المشركين الذي قامت الحجة فيه باقترانه مع النعمة العامة ، وقال الحسن بن أبي الحسن فيما حكى عنه الطبري : معنى هذه الآية : { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } إشارة إلى الروح الذي ينفخ في كل أحد .
قال القاضي أبو محمد : أي خلقكم من جنس واحد وجعل الإناث منه ، ثم جاء قوله : { فلما تغشاها } إلى آخر الآية وصفاً لحال الناس واحداً واحداً على ما تقدم من الترتيب في القول الذي قبله .