وقوله - سبحانه - : { فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ . . . } تفريع على ما تقدم من قوله - تعالى - { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون . . } وتأكيد لتسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولتثبيت يقينه .
وقوله { مخلف } اسم فاعل من الأخلاف ، بمعنى عدم الوفاء بالوعد وهو مفعول ثان لتحسب والمراد بالوعد هنا : ما وعد الله - تعالى - به أنبياءه ورسله من نصره إياهم ، ومن جعل العاقبة لهم .
قال - تعالى - { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد } وقال - تعالى - { كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ } والمعنى : لقد وعدناك - أيها الرسول الكريم - بعذاب الظالمين ، وأخبرناك بجانب من العذاب الذى سيحل بهم يوم القيامة ، وما دام الأمر كذلك فاثبت على الحق أنت وأتباعك ، وثق بأن الله - تعالى - لن يخلف ما وعدك به من نصر على أعدائك .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا قيل : مخلف رسله وعده ، ولم قدم المفعول الثانى لمخلف - وهو : وعده - على المفعول الأول - وهو رسله - ؟
قلت : قدم الوعد ليعلم أنه - سبحانه - لا يخلف الوعد أصلا ، كقوله - تعالى - { إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد } ثم قال { رسله } ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدا ، وليس من شأنه إخلا المواعيد ، فكيف يخلفه مع رسله الذين هم خيرته وصفوته من خلقه . .
ويرى صاحب الانتصاف أن تقدم المعفول الثانى هنا ، إنما هو للإِيذان بالعناية به ، لأن الآية فى سياق الإِنذار والتهديد للظالمين بما توعدهم الله - تعالى - به على ألسنة رسله ، فكان المهم فى هذه الحال تقديم ذكر الوعيد على غيره .
وقوله - سبحانه - { إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام } تعليل للنهى عن الحسبان المذكور .
أى : إن الله - تعالى - غالب على كل شئ ، وذو انتقام شديد من أعدائه لأنهم تحت قدرته ، وما دام الأمر كذلك فإخاف الوعد منتف فى حقه - تعالى - .
( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله . إن الله عزيز ذو انتقام ) . .
فما لهذا المكر من أثر ، وما يعوق تحقيق وعد الله لرسله بالنصر وأخذ الماكرين أخذ عزيز مقتدر :
( إن الله عزيز ذو انتقام ) . .
لا يدع الظالم يفلت ، ولا يدع الماكر ينجو . . وكلمة الانتقام هنا تلقي الظل المناسب للظلم والمكر ، فالظالم الماكر يستحق الانتقام ، وهو بالقياس إلى الله تعالى يعني تعذيبهم جزاء ظلمهم وجزاء مكرهم ، تحقيقا لعدل الله في الجزاء .
يقول تعالى مقررًا لوعده ومؤكدًا : { فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } أي : من نصرتهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
ثم أخبر أنه ذو عزة لا يمتنع{[16004]} عليه شيء أراده ، ولا يغالب ، وذو انتقام ممن{[16005]} كفر به وجحده { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } [ الطور : 11 ] ؛ ولهذا قال : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } أي : وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض ، وهي هذه على غير الصفة المألوفة المعروفة ، كما جاء في الصحيحين ، من حديث أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء ، كقرصة النقي ، ليس فيها معلم لأحد " {[16006]} .
{ فلا تحسبن الله مُخلفَ وعدِه رُسلَه } مثل قوله : { إنا لننصر رسلنا } { كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي } وأصله مخلف رسله وعده فقدم المفعول الثاني إيذانا بأنه لا يخلف الوعد أصلا كقوله : { إن الله لا يخلف الميعاد } وإذا لم يخلف وعده أحدا فكيف يخلف رسله . { إن الله عزيز } غالب لا يماكر قادر لا يدافع . { ذو انتقام } لأوليائه من أعدائه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.