التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَلَّاۚ سَيَكۡفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمۡ وَيَكُونُونَ عَلَيۡهِمۡ ضِدًّا} (82)

وقد رد الله - تعالى - عليهم بما يردعهم عن هذا الظن لو كانوا يعقلون فقال : { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } .

و { كَلاَّ } لفظ جىء به لزجرهم وردعهم عن هذا الاتخاذ الفاسد الباطل . أى : ليس الأمر كما توهم الجاهلون من أن أصنامهم ستكون لهم عزا ، بل الحق أن هذه المعبودات الباطلة ستكون عدوة لهم . وقرينتهم فى النار .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعال - : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامة وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } وقوله - سبحانه - : { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } وأفرد - سبحانه - ( عزا وضدا ) مع أن المراد بهما الجمع . لأنهما مصدران

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَلَّاۚ سَيَكۡفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمۡ وَيَكُونُونَ عَلَيۡهِمۡ ضِدًّا} (82)

كلا ! فسيكفر الملائكة والجن بعبادتهم ، وينكرونها عليهم ، ويبرأون إلى الله منهم ، ( ويكونون عليهم ضدا )بالتبرؤ منهم والشهادة عليهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَلَّاۚ سَيَكۡفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمۡ وَيَكُونُونَ عَلَيۡهِمۡ ضِدًّا} (82)

ثم أخبر أنه ليس الأمر كما زعموا ، ولا يكون ما طمعوا ، فقال : { كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } أي : يوم القيامة { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } أي : بخلاف ما ظنوا فيهم ، كما قال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ{[19125]} } [ الأحقاف : 5 ، 6 ]

وقرأ أبو نَهِيك : " كلّ سيكفرون بعبادتهم " .

وقال السدي{[19126]} : { كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } أي : بعبادة الأوثان . وقوله : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } أي : بخلاف ما رَجَوا منهم .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قال : أعوانًا .

قال مجاهد : عونًا عليهم ، تُخَاصِمُهم وتُكَذّبهم .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قال : قرناء .

وقال قتادة : قرناء في النار ، يلعن بعضهم بعضًا ، ويكفر بعضهم ببعض .

وقال السدي : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قال : الخصماء الأشداء في الخصومة .

وقال الضحاك : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قال : أعداء .

وقال ابن زيد : الضد : البلاء .

وقال عكرمة : الضد : الحسرة .


[19125]:في ت: "كافرون"، وهو خطأ.
[19126]:في ت: "السندي".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَلَّاۚ سَيَكۡفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمۡ وَيَكُونُونَ عَلَيۡهِمۡ ضِدًّا} (82)

وقوله : كَلاّ يقول عزّ ذكره : ليس الأمر كما ظنوا وأمّلُوا من هذه الاَلهة التي يعبدونها من دون الله ، في أنها تنقذهم من عذاب الله ، وتنجيهم منه ، ومن سوء إن أراده بهم ربّهم . وقوله : سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ يقول عزّ ذكره : ولكن سيكفر الاَلهة في الاَخرة بعبادة هؤلاء المشركين يوم القيامة إياها ، وكفرهم بها قيلهم لربهم : تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون ، فجحدوا أن يكونوا عبدوهم أو أمروهم بذلك ، وتبرّأوا منهم ، وذلك كفرهم بعبادتهم . وأما قوله : وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وتكون آلهتهم عليهم عونا ، وقالوا : الضدّ : العون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا يقول : أعوانا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا قال : عونا عليهم تخاصمهم وتكذّبهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا قال : أوثانهم يوم القيامة في النار .

وقال آخرون : بل عنى بالضدّ في هذا الموضع : القُرَناء . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا يقول : يكونون عليهم قرناء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا قرناء في النار ، يلعن بعضهم بعضا ، ويتبرأ بعضهم من بعض .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ضِدّا قال : قرناء في النار .

وقال آخرون : معنى الضدّ ههنا : العدوّ . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا مُعاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا قال : أعداء .

وقال آخرون : معنى الضدّ في هذا الموضع : البلاء . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّا قال : يكونون عليهم بلاء .

الضدّ : البلاء ، والضدّ في كلام العرب : هو الخلاف ، يقال : فلان يضادّ فلانا في كذا ، إذا كان يخالفه في صنيعه ، فيفسد ما أصلحه ، ويصلح ما أفسده ، وإذ كان ذلك معناه ، وكانت آلهة هؤلاء المشركين الذين ذكرهم الله في هذا الموضع يتبرّؤون منهم ، وينتفعون يومئذٍ ، صاروا لهم أضدادا ، فوصفوا بذلك .

وقد اختلف أهل العربية في وجه توحيد الضدّ ، وهو صفة لجماعة . فكان بعض نحويّي البصرة يقول : وحد لأنه يكون جماعة ، وواحدا مثل الرصد والأرصاد . قال : ويكون الرّصَد أيضا لجماعة . وقال بعض نحويي الكوفة وحّد ، لأن معناه عونا ، وذكر أن أبا نهيك كان يقرأ ذلك ، كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبد المؤمن ، قال : سمعت أبا نهيك الأزدي يقرأ : كَلاّ سَيَكْفُرُون يعني الاَلهة كلها أنهم سيكفرون بعبادتهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَلَّاۚ سَيَكۡفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمۡ وَيَكُونُونَ عَلَيۡهِمۡ ضِدًّا} (82)

وقوله { كلا } زجر ، وردع ، وهذا المعنى لازم ل { كلا } فإن كان القول المردود منصوصاً عليه بان المعنى ، وإن لم يكن منصوصاً عليه فلا بد من أمر مردود يتضمنه القول كقوله عز وجل { كلا إن الإنسان ليطغى }{[8039]} [ العلق : 6 ] فإن قوله { علم الإنسان ما لم يعلم }{[8040]} [ العلق : 5 ] يتضمن مع ما قبله أن الإنسان يزعم من نفسه ويرى أن له حولاً ما ولا يتفكر جداً في أن الله علمه ما لم يعلم وأنعم عليه بذلك وإلا كان معمور جهل ، وقرأ الجمهور «كلا » على ما فسرناه ، وقرأ أبو نهيك «كَلاً » بفتح الكاف والتنوين حكاه عنه أبو الفتح وهو نعت ل { آلهة } وحكى عنه أبو عمرو الداني «كُلاً » بضم الكاف والتنوين وهو منصوب بفعل مضمر يدل عليه سيكفرون تقديره يرفضون أو ينكرون أو يجحدون أو نحوه ، واختلف المفسرون في الضمير الذي في { سيكفرون } وفي { بعبادتهم } فقالت فرقة : الأول للكفار والثاني للمعبودين والمعنى أنه سيجيء يوم القيامة من الهول على الكفار والشدة ما يدفعهم الى جحد الكفر وعبادة الأوثان ، وذلك كقوله تعالى حكاية عنهم { والله ربنا ما كنا مشركين }{[8041]} [ الأنعام : 23 ] وقالت فرقة : الأول للمعبودين والثاني للكفار والمعنى أن الله تعالى يجعل للأصنام حياة تنكر بها ومعها عبادة الكفار وأن يكون لها من ذلك ذنب ، وأما المعبود من الملائكة وغيرهم فهذا منهم بين . وقوله { ضداً } معناه يجيئهم منهم خلاف ما كانوا أملوه فيؤول ذلك بهم الى ذلة ضد ما أملوه من العز وهذه الصفة عامة ، وقال قتادة { ضداً } معناه قرناء{[8042]} ، وقال ابن عباس : معناه أعواناً ، وقال الضحاك : أعداء ، وقال ابن زيد : بلاء ، وقيل غير هذا مما لفظ القرآن أعم منه وأجمع للمعنى المقصود ، والضد هنا مصدر وصف به الجمع كما يوصف به الواحد ، وحكى الطبري عن أبي نهيك أنه قرأ «كل » بالرفع ورفعها بالابتداء{[8043]} .


[8039]:الآية (5) من سورة (العلق). 2 وقوله تعالى {علم الإنسان مالم يعلم هو الآية (5) من سورة (العلق)
[8040]:?????
[8041]:من الآية (23) من سورة (الأنعام).
[8042]:في الأصول كلها: فرقا ـ والتصويب عن الطبري وغيره من المفسرين الذين نقلوا قول قتادة.
[8043]:ذكر المفسرون أن [كلا] لم تذكر في النصف الأول من القرآن، وقال الألوسي: وأول موضع ذكرت فيه في القرآن هو قوله تبارك وتعالى في هذه السورة : {كلا سنكتب ما يقول}، ثم تكررت في النصف الثاني فذكرت في ثلاثة وثلاثين موضعا. قيل: وتأتي بمعنيين: الأول بمعنى: حقا، والثاني بمعنى: لا.