ثم أضاف - سبحانه - إلى ترغيبهم في العمل بما يرضيه ترغيبا آخر فقال : { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ } .
أي : ما عندكم من متاع الدنيا وزهرتها يفنى وينقضي ويزول ، وما عند الله - تعالى - في الآخرة من عطاء باق لا يفنى ولا يزول ، فآثروا ما يبقى على ماينفد . يقال : نفد الشيء ، بكسر الفاء ، - ينفد - بفتحها - نفادا ونفودا ، إذا ذهب وفني .
ثم بشر - سبحانه - الصابرين على طاعته بأعظم البشارات فقال : { وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صبروا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
أي : ولنجزين الذين صبروا على طاعتنا ، واجتنبوا معصيتنا ، ووفوا بعهودنا ، بجزاء أفضل وأكرم مما كانوا يعملونه في الدنيا من خيرات وطاعات .
وأكد - سبحانه - هذه البشارة بلام القسم ، ونون التوكيد ، لترغيبهم في الثبات على فضيلة الصبر ، وعلى الوفاء بالعهد .
قال الجمل ما ملخصه : وقوله : { أجرهم } : مفعول ثان لنجزي . وقوله : { بأحسن } : نعت لمحذوف ، أي : بجزاء أحسن من عملهم الذي كانوا يعملونه في الدنيا ، والباء بمعنى على .
ويذكر بأن ما عند البشر ولو ملكه فرد فإنه زائل ، وما عند الله باق دائم : ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ) ، ويقوي العزائم على الوفاء ، والصبر لتكاليف الوفاء ، ويعد الصابرين أجرا حسنا ( ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) والتجاوز عما وقع منهم من عمل سيء ، ليكون الجزاء على أحسن العمل دون سواه .
{ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ } ، أي : يفرغ وينقضي ، فإنه إلى أجل معدود محصور مقدَّر مُتَناه ، { وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ } ، أي : وثوابه لكم في الجنة باق لا انقطاع ولا نفاد له ، فإنه دائم لا يحول ولا يزول ، { وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، قسم من الرب عز وجل{[16681]} مُتَلقى باللام ، أنه يجازي الصابرين بأحسن أعمالهم ، أي : ويتجاوز عن سيئها .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنّمَا عِنْدَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنّ الّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ولا تنقضوا عهودكم أيها الناس وعقودكم التي عاقدتموها من عاقدتم مؤكّديها بأيمانكم ، تطلبون بنقضكم ذلك عرضا من الدنيا قليلاً ، ولكن أوفوا بعهد الله الذي أمركم بالوفاء به يثبكم الله على الوفاء به ، فإن ما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بذلك هو خير لكم إن كنتم تعلمون فضل ما بين العِوَضين اللذين أحدهما : الثمن القليل الذي تشترون بنقض عهد الله في الدنيا ، والآخر : الثواب الجزيل في الآخرة على الوفاء به . ثم بين تعالى ذكره فَرْق ما بين العِوَضين وفضل ما بين الثوابين ، فقال : ما عندكم أيها الناس مما تتملكونه في الدنيا وإن كَثُر فنافدٌ فانٍ ، وما عند الله لمن أوفى بعهده وأطاعه من الخيرات باق غير فان ، فلما عنده فاعملوا ، وعلى الباقي الذي لا يفنى فاحرصوا . وقوله : { وَلَنَجْزِيَنّ الّذِينَ صَبَرُوا أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ } ، يقول تعالى ذكره : وليثيبنّ الله الذين صبروا على طاعتهم إياه في السرّاء والضرّاء ، ثوابهم يوم القيامة على صبرهم عليها ومسارعتهم في رضاه ، بأحسن ما كانوا يعملُون من الأعمال دون أسوئها ، وليغفرنّ الله لهم سيئها بفضله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.