التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

وقوله - تعالى - : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ . . . } ، التبديل رفع الشيء مع وضع غيره مكانه . فتبديل الآية رفعها بآية أخرى .

وجمهور المفسرين على أن المراد بالآية هنا : الآية القرآنية . وعلى أن المراد بتبديلها نسخها .

قال صاحب الكشاف : تبديل الآية مكان الآية هو النسخ ، والله - تعالى - ينسخ الشرائع بالشرائع ؛ لأنها مصالح ، وما كان مصلحة بالأمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم ، وخلافه مصلحة . والله - تعالى - عالم بالمصالح والمفاسد ، فيثبت ما يشاء ، وينسخ ما يشاء بحكمته . . .

وقال الجمل : قوله - تعالى - : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ . . . } ، وذلك أن المشركين من أهل مكة قالوا : إن محمدا صلى الله عليه وسلم يسخر بأصحابه ، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا ، ما هذا إلا مفترى يتقوله من تلقاء نفسه ، فأنزل الله - تعالى - : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ . . . } ، والمعنى : وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكما آخر .

وقال الألوسي : قوله - تعالى - : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } ، أي : وإذا نزلنا آية من القرآن مكان آية منه . وجعلناها بدلا منها بأن نسخناها بها . . .

ومنهم من يرى أن المراد بالآية هنا : " الآية الكونية " ، أي : المعجزة التى أتى بها كل نبي لقومه ، وأن المراد بتبديلها : الإِتيان بمعجزة أخرى سواها .

قال الشيخ القاسمي عند تفسيره لهذه الآية : وذهب قوم إلى أن المعنى تبديل آية من آيات الأنبياء المتقدمين . كآية موسى وعيسى وغيرهما من الآيات الكونية الآفاقية ، بآية أخرى نفسية علمية ، وهي كون المنزل هدى ورحمة وبشارة يدركها العقل .

فبدلت تلك - وهي الآيات الكونية - بآية هو كتاب العلم والهدى ، من نبي أمي صلى الله عليه وسلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

90

وعند ذكر المشركين يذكر تقولاتهم عن القرآن الكريم :

( وإذا بدلنا آية مكان آية ، والله أعلم بما ينزل قالوا : إنما أنت مفتر . بل أكثرهم لا يعلمون . قل : نزله روح القدس من ربك بالحق ، ليثبت الذين آمنوا ، وهدى وبشرى للمسلمين . ولقد نعلم أنهم يقولون : إنما يعلمه بشر . لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ، وهذا لسان عربي مبين . إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم . إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ، وأولئك هم الكاذبون ) . .

إن المشركين لا يدركون وظيفة هذا الكتاب . لا يدركون أنه جاء لإنشاء مجتمع عالمي إنساني ، وبناء أمة تقود هذا المجتمع العالمي . وأنه الرسالة الأخيرة التي ليست بعدها من السماء رسالة ؛ وأن الله الذي خلق البشر عليم بما يصلح لهم من المباديء والشرائع . فإذا بدل آية انتهى أجلها واستنفدت أغراضها ، ليأتي بآية أخرى أصلح للحالة الجديدة التي صارت إليها الأمة ، وأصلح للبقاء بعد ذلك الدهر الطويل الذي لا يعلمه إلا هو ، فالشأن له ، ومثل آيات هذا الكتاب كمثل الدواء تعطى للمريض منه جرعات حتى يشفى ، ثم ينصح بأطعمة أخرى تصلح للبنية العادية في الظروف العادية .

إن المشركين لا يدركون شيئا من هذا كله ، ومن ثم لم يدركوا حكمة تبديل آية مكان آية في حياة الرسول [ ص ] فحسبوها افتراء منه وهو الصادق الأمين الذي لم يعهدوا عليه كذبا قط . ( بل أكثرهم لا يعلمون ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

يخبر تعالى عن ضعف عقول المشركين وقلة ثباتهم وإيقانهم ، وأنه لا يتصور منهم الإيمان ، وقد كتب عليهم الشقاوة ، وذلك أنهم إذا رأوا تغيير الأحكام ناسخها بمنسوخها قالوا للرسول : { إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ } ، أي : كذاب ، وإنما هو الرب تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد .

وقال مجاهد : { بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ } ، أي : رفعناها وأثبتنا غيرها .

وقال قتادة : هو كقوله تعالى : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا } [ البقرة : 106 ] .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا بَدّلْنَآ آيَةً مّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ قَالُوَاْ إِنّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكم أخرى ، { والله أعْلَمُ بما يُنَزّلُ } ، يقول : والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدّل ويغير من أحكامه ، { قالوا إنما أنْتَ مُفْتَرٍ } ، يقول : قال المشركون بالله المكذبو رسوله لرسوله : إنما أنت يا محمد مفتر ، أي : مكذب تخرص بتقوّل الباطل على الله . يقول الله تعالى : بل أكثر هؤلاء القائلين لك يا محمد إنما أنت مفتر جهالٌ ، بأنّ الذي تأتيهم به من عند الله ناسخه ومنسوخه ، لا يعلمون حقيقة صحته .

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : { وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } ، رفعناها فأنزل غيرها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } ، قال : نسخناها ، بدّلناها ، رفعناها ، وأثبتنا غيرها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } ، هو كقوله : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها } .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } قالوا : إنما أنت مفتر ، تأتي بشيء وتنقضه ، فتأتي بغيره . قال : وهذا التبديل ناسخ ، ولا نبدّل آية مكان آية إلا بنسخ .