تفسير الأعقم - الأعقم  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (78)

{ وإلى ثمود } أي وأرسلنا إلى ثمود ، قال في الثعلبي : هو ثمود بن عامر بن أرم بن سام بن نوح { أخاهم صالحاً } وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بيِّنة من ربكم } حجة ودلالة من ربكم على صدقي ، قال جار الله : إنما سميت ثمود لقلة مائها من الثمد وهو الماء القليل ، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام ، وروي أن عاداً لما أهلكت عمرت ثمود بلادهم وخلفوهم في الأرض ، فكثروا وعمروا أعماراً طوالاً حتى إن الرجل منهم كان يبني المنزل المحكم فينهدم في حياته ، فنحتوا البيوت من الجبال ، وكانوا في سعة ورخاء من العيش فعتوا على الله تعالى وأفسدوا في الأرض ، وعبدوا الأوثان ، فبعث الله إليهم صالحاً ( عليه السلام ) وكانوا قوماً عرباً ، وصالح من أوسطهم نسباً فدعاهم الى الله تعالى فلم يتبعوه إلاَّ قليلاً منهم مستضعفون ، فحذرهم وأنذرهم ، ولما ألحّ عليهم صالح بالدعاء والتبليغ وأكثر لهم التخويف سألوا آية فقال لهم : أي آية تريدون ؟ فقالوا : أتخرج معنا إلى يوم عيدنا في يوم معلوم لهم من السنة فتدعو إلهك وندعو آلهتنا فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتنا ، فقال صالح : نعم ، فخرج معهم ودعوا آلهتهم وسألوها الإجابة فلم تجبهم ، ثم قال سيدهم جندع بن عمرو وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل يقال لها الكاتبة : أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة فإن فعلت صدقناك ، فأخذ صالح المواثيق : لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن ؟ قالوا : نعم ، فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة وانصدعت عن ناقة كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله تعالى من عظمها وهم ينظرون ، ثم نتجت ولداً مثلها في العظم فمكثت الناقة مع ولدها ترتعي الشجر وتشرب الماء ، وكانت ترد غباً فإذا كان يومها وضعت رأسها في البئر فتشرب كل ما فيها فما ترفع حتى تشرب كل ما فيها فيحلبون ما شاؤوا حتى تمتلئ أوانيهم ويشربون ويدخرون ، وروي أن صدرها كان ستين ذراعاً ، ورورى الثعلبي : أن جندع بن عمرو آمن به ، ورهط من قومه ، وروي أن المواشي كانت تفرّ منها إذا رأتها وتهرب منها ابلهم وأغنامهم وبقرهم ، وعن السدي : أوحى الله تعالى إلى صالح أن قومك سيعقرون ناقتك ، فقال لهم ذلك فقالوا : ما كنا لنفعل ، فقال لهم صالح : إنه سيولد في شهركم هذا غلام يعقرها ويكون هلاككم على يديه ، وروي أن الذي زين لهم عقرها امرأة يقال لها عنيزة ، والذي عقرها قذار بن سالف ، فعقرها واقتسموا لحمها وطبخوه ، وكان صالح قال لهم : أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب ، فلم يقدروا عليه ورقى جبلاً فرغَا ثلاثاً ، وقال في الأول : يا رباه ، وفي الثاني : يا أماه ، وفي الثالث : يا صالحاه ، فانفتحت الصخرة بعد رغائه فدخلها فقال لهم صالح : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام تصبحوا غداً ووجوهكم مصفرة ، وبعد غد ووجوهكم محمرة ، والثالث ووجوهكم مسودة ، فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه ، فأنجاه الله تعالى إلى أرض فلسطين ، ولما كان اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا وتكفنوا فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا ، وروي أنه لم يبق منهم إلا إمرأة مقعدة أطلقها الله تعالى لتخبر بما عاينت من العذاب ، وقيل : توفي صالح بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، وروي أن عقرهم الناقة كان يوم الأربعاء ، ونزل بهم العذاب يوم السبت ، وروي أنه خرج في مائة وعشرين من المسلمين فالتفت فرأى الدخان ساطعاً فعلم أنهم قد هلكوا وكانوا ألفاً وخمسمائة دار .