ثم قال تعالى : { فأخذتهم الرجفة } قال الفراء والزجاج : هي الزلزلة الشديدة . قال تعالى : { يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا } قال الليث : يقال رجف الشيء يرجف رجفا ورجفانا ، كرجفان البعير تحت الرحل ، وكما يرجف الشجر إذا أرجفته الريح .
ثم قال : { فأصبحوا في دارهم جاثمين } يعني في بلدهم ولذلك وحد الدار ، كما يقال : دار الحرب ومررت بدار البزازين ، وجمع في آية أخرى فقال :
{ في ديارهم } لأنه أراد بالدار ما لكل واحد منهم من منزله الخاص به . وقوله : { جاثمين } قال أبو عبيدة : الجثوم للناس والطير ، بمنزلة البروك للإبل ، فجثوم الطير ووقوعه لاطئا بالأرض في حال سكونه بالليل ، والمعنى : أنهم أصبحوا جاثمين خامدين لا يتحركون موتى ، يقال : الناس جثم أي قعود لا حراك بهم ولا يحسون بشيء ، ومنه المجثمة التي جاء النهي عنها ، وهي البهيمة التي تربط لترمى ، فثبت أن الجثوم عبارة عن السكون والخمود ، ثم اختلفوا ، فمنهم من قال : لما سمعوا الصيحة العظيمة تقطعت قلوبهم وماتوا جاثمين على الركب ، وقيل بل سقطوا على وجوههم ، وقيل وصلت الصاعقة إليهم فاحترقوا وصاروا كالرماد . وقيل : بل عند نزول العذاب عليهم سقط بعضهم على بعض ، والكل متقارب . وههنا سؤالات :
السؤال الأول : أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم قالوا : { يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين } قال تعالى : { فأخذتهم الرجفة } والفاء للتعقيب وهذا يدل على أن الرجفة أخذتهم عقيب ما ذكروا ذلك الكلام وليس الأمر كذلك ، لأنه تعالى قال في آية أخرى : { فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب } .
والجواب : أن الذي يحصل عقيب الشيء بمدة قليلة قد يقال فيه أنه حصل عقيبه فزال السؤال .
السؤال الثاني : طعن قوم من الملحدين في هذه الآيات بأن ألفاظ القرآن قد اختلفت في حكاية هذه الواقعة ، وهي الرجفة والطاغية والصيحة ، وزعموا أن ذلك يوجب التناقض .
والجواب : قال أبو مسلم : الطاغية اسم لكل ما تجاوز حده سواء كان حيوانا أو غير حيوان وألحق الهاء به للمبالغة ، فالمسلمون يسمون الملك العاتي بالطاغية والطاغوت . وقال تعالى : { إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } ويقال : طغى طغيانا وهو طاغ وطاغية . وقال تعالى : { كذبت ثمود بطغواها } وقال في غير الحيوان : { إنا لما طغى الماء } أي غلب وتجاوز عن الحد ، وأما الرجفة ، فهي الزلزلة في الأرض ، وهي حركة خارجة عن المعتاد ، فلم يبعد إطلاق اسم الطاغية عليها ، وأما الصيحة ، فالغالب أن الزلزلة لا تنفك عن الصيحة العظيمة الهائلة وأما الصاعقة ، فالغالب أنها الزلزلة وكذلك الزجرة قال تعالى : { فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة } فبطل ما قاله الطاعن .
السؤال الثالث : أن القوم قد شاهدوا خروج الناقة عن الصخرة وذلك معجزة قاهرة تقرب حال المكلفين عند مشاهدة هذه المعجزة من الإلجاء ، وأيضا شاهدوا أن الماء الذي كان شربا لكل أولئك الأقوام في أحد اليومين ، كان شربا لتلك الناقة الواحدة في اليوم الثاني ، وذلك أيضا معجزة قاهرة ، ثم إن القوم لما نحروها ، وكان صالح عليه السلام قد توعدهم بالعذاب الشديد إن نحروها ، فلما شاهدوا بعد إقدامهم على نحرها آثار العذاب ، وهو ما يروى أنهم احمروا في اليوم الأول ، ثم اصفروا في اليوم الثاني ، ثم اسودوا في اليوم الثالث ، فمع مشاهدة تلك المعجزات القاهرة في أول الأمر ، ثم شاهدوا نزول العذاب الشديد في آخر الأمر ، هل يحتمل أن يبقى العاقل مع هذه الأحوال مصرا على كفره غير تائب منه ؟
والجواب الأول أن يقال : إنهم قبل أن شاهدوا تلك العلامات كانوا يكذبون صالحا في نزول العذاب ، فلما شاهدوا العلامات خرجوا عند ذلك عن حد التكليف ، وخرجوا عن أن تكون توبتهم مقبولة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.