قوله : { فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة } قال الفراء والزجاج هي الزلزلة الشديدة يُقالُ رَجَفَتِ الأرْضُ تَرْجُفُ رَجْفاً وَرَجيفاً ورجفاناً قال تعالى : { يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال } [ المزمل : 14 ] .
وقال اللَّيثُ : الرَّجْفَةُ : الطَّامة التي يتزعزع لها الإنسان ويضطرب . ومنه قيل للبحر رجَّافٌ لاضطرابه .
وقيل : أصله مِنْ رَجفَ به البعيرُ إذا حركه في سيره ، كما يرجف الشجر إذا رجفه الريح .
قال ابن أبي ربيعة : [ الطويل ]
ولمَّا رَأيْتُ الحَجَّ قَدْ حَانَ وَقْتُهُ *** وَظَلَّتْ جِمَالُ الحَيِّ بالقَوْمِ تَرْجُفُ{[16458]}
والإرْجَافُ إيقاعُ الرَّجْفَةِ ، وجمعه الأرَاجِيفُ ، ومنه " الأراجِيفُ ملاقيحُ الفتنِ " .
وقوله : { تَرْجُفُ الراجفة } [ النازعات : 6 ] .
كقوله : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا } [ الزلزلة : 1 ] .
تُحْيِي العِظَامَ الرَّاجِفَاتِ مِنَ البِلَى *** فَلَيْسَ لِدَاءِ الرُّكْبَتَيْنِ طبِيبُ{[16459]}
قوله : { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } [ يعني في بلدهم ، كما يقال : دار الحرب ، ودار البزّازين ] .
الجثوم : اللُّصوق بالأرْضِ من جثوم الطَّائر والأرْنَبِ ، فإنَّهُ يلصق بطنه بالأرْضِ ، ومنه رجل جُثَمَةٌ وجثَّامَةٌ كناية عن النَّؤوم والكَسْلان ، وجثمانُ الإنسان شَخْصُه قاعداً وقال أبو عبيد : " الجُثُوم للنَّاس والطير كالبرول للإبل " وأنشد لجرير : [ الوافر ]
عَرَفْتُ المُنْتأى وعَرَفْتُ مِنْهَا *** مَطَايَا القِدْرِ كالْحِدَأ الجُثُومِ{[16460]}
قال الكَرْمَانِيّ : حيث ذُكِرَت الرجفة وُحدت الدَّار ، وحيث ذكرت الصيحة جُمِعَت الدار ، لأنَّ الصيحة كانت من السماء فبلوغها أكبر وأبلغ من الزلزلة ، فذكر كل واحد بالأليق [ به ] وقيل : في دارهم أي في بلدهم كما تقدَّم ، وقيل : المراد بها الجنس .
فصل في بيان فائدة موضع الفاء في الآية
الفاء في " فأخذتهم " للتَّعقيب ، وقوله : { فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة } يقتضي أنَّ الرَّجفة أخذتهم عقيب قولهم : { ائتنا بِمَا تَعِدُنَا } وليس الأمر كذلك لقوله تعالى في آية أخرى : { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ]
فالجوابُ : أنَّ أسباب الهلاك وجدت عقيب قولهم : { ائتنا بِمَا تَعِدُنَا } ، وهو أنَّهم اصفرت وجوههم في اليوم الأوَّل ، واحمرّت في اليوم الثاني : واسودَّت في اليوم الثالث ، فكان ابتداء العذاب متعقباً قولهم .
ويمكن أن تكون عاطفة على الجملة من قوله : " فَائْتِنَا " أيضاً وذلك على تَقْديرِ قرب زمان الهلاك من زمان طلبِ الإتيان . ويجوز أن يقدر ما يصحُّ العطف عليه بالفاءِ ، والتقديرُ : فوعدهم العذاب بعد ثلاث فانقضت فأخذتهم .
لا يلتفت إلى ما ذكره بعض الملاحدةِ في قوله : { فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة } ، وفي موضع آخر { الصيحة } [ هود : 67 ] ، وفي موضع آخر { بالطاغية } [ الحاقة : 5 ] واعتقد ما لا يجوز من وجوب التناقض إذ لا منافاة بين ذلك فإن الرجفة مترتبة على الصَّيحة ؛ لأنَّهُ لمَّا صيح بهم ؛ رجفت قلوبهم فماتوا ، فَجَازَ أن يسند الإهلاكُ إلى كل منهما .
وأمّا " بالطَّاغية " فالباء للسببية ، والطَّاغية : الطغيان مصدر كالعاقبة ، ويقال للملك الجبَّار : طاغية ، والتّاء فيه كعلاَّمةٍ ونسَّابةٍ ، ففي أهلكوا بالطاغيَة ، أي : بطغيانهم كقوله : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } [ الشمس : 11 ] .
قال أبو مسلم{[16461]} : " الطَّاغية : اسم لكلِّ ما تجاوز عن حدِّه سواء كان حيواناً أو غير حيوان : { إِنَّ الإنسان ليطغى } [ العلق : 6 ] ، وقال : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } [ الشمس : 11 ] .
وقال غير الحيوان : { إِنَّا لَمَّا طَغَا الماء } [ الحاقة : 11 ] أي : غلب وتجاوز عن الحدِّ .
قيل إنَّ القوم قد شاهدوا خُرُوج النَّاقةِ من الصخرة ، وذلك معجزة قاهرة تلجىء المكلف ، وأيضاً شاهدوا الماء الذي كان شرباً لكل أولئك الأقوام في أحد اليومين ، كان شَرباً لتلك النَّاقة الواحدة في اليَوْمِ الثَّانِي ، وذلك معجزة قَاهِرَةٌ تقرب الملك من الإلجاء .
وأيضاً إنَّ القوم لما نحروها توعدهم صالح بالعذابِ ، وشاهدوا صدقه على ما روي أنَّهم احمروا في اليوم الأوَّل ، واصفرُّوا في اليوم الثَّاني ، واسودُّوا في اليود الثالث ، مع مشاهدة تلك المعجزة{[16462]} العظيمة ، ثم شاهدوا علامات نُزول العذاب الشديد في آخر الأمر ، هل يحتمل أن يبقى العاقل مع هذه الأحوال مُصرّاً على كفره ؟
فالجوابُ : أن يقال : إنَّهَم قبل مشاهدتهم تلك العلامات من نزول العذاب كانُوا يكذبون ، فلما نزلت بهم أول علامات العذاب وشاهدوها خرجوا عند ذلك عن حد التكليف فلم تكن توبتهم مَقْبُولَةً .
قوله : " فَأصْبَحُوا " يجوز أن تكون النَّاقصة و " جَاثِمينَ " خبرها و " في دَارِهِم " متعلّق به ، ولا يجوز أن يكونَ الجارُّ خبراً و " جَاثِمِين " حال ، لعدم الفائدة بقولك : { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِم } ، وإن جاز الوجهان في قولك : أصبح زيد في الدَّار جالساً .
ويجوز أن تكون التامة ، أي : دخلوا في الصباح ، و " جَاثِمِينَ " حال ، والأول أظهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.