إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (78)

{ فأخذتهم الرجفة } أي الزلزلةُ لكن لا إثرَ ما قالوا بل بعد ما جرى عليهم من مبادئ العذابِ في الأيام الثلاثةِ حسبما مر تفصيلُه { فأصبحوا في دارهم } أي صاروا في أرضهم وبلدِهم أو في مساكنهم { جاثمين } خامدين موتى لا حَراكَ بهم ، وأصلُ الجثومِ البروكُ ، يقال : الناسُ جثومٌ أي قعود لا حَراك بهم ولا ينبِسون نبْسةً ، قال أبو عبيدة : الجثومُ للناس والطير ، والبروكُ للإبل ، والمرادُ كونُهم كذلك عند ابتداءِ نزولِ العذابِ بهم من غير اضطرابٍ ولا حركة كما يكون عند الموت المعتاد ، ولا يخفى ما فيه من شدة الأخذِ وسرعةِ البطش . اللهم إنا بك نعوذ من نزول سخطِك وحُلولِ غضبِك{[284]} . وجاثمين خبرٌ لأصبحوا والظرفُ متعلقٌ به ، ولا مساغ لكونه خبراً وجاثمين حالاً لإفضائه إلى كون الإخبارِ بكونهم في دارهم مقصوداً بالذات وكونِهم جاثمين قيداً تابعاً له غيرَ مقصودٍ بالذات . قيل : حيث ذُكرت الرجفةُ وُحِّدت الدارُ ، وحيث ذُكرت الصيحةُ جمعت لأن الصيحةَ كانت من السماء فبلوغُها أكثرُ وأبلغُ من الزلزلة فقُرن كلٌّ منهما بما هو أليقُ به .


[284]:عبارة "اللهم... غضبك" تعقيبية من قبل المؤلف ولا تدخل في سياق التفسير.