التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

ثم تمضى السورة الكريمة بعد ذلك ، فى بيان مصير هذه الروح ، التى توشك أن تستدبر الحياة الفانية ، وتستقبل الحياة الباقية فتقول : { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المقربين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } .

والروح : بمعنى الراحة والأمان والاطمئنان والريحان شجر طيب الرائحة .

أى : فأما إن كان صاحب هذه النفس التى فارقت الدنيا ، من المقربين إلينا السابقين بالخيرات . . . فله عندنا راحة لا تقاربها راحة ، وله رحمة واسعة ، وله طيب رائحة عند قبض روحه ، وعند نزوله فى قبره ، وعند وقوله بين أيدينا للحساب يوم الدين ، وله جنات ينعم فيها بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

57

فالروح هنا ترى علائم هذا النعيم الذي ينتظرها : روح وريحان وجنة نعيم . والألفاظ ذاتها تقطر رقة ونداوة . وتلقي ظلال الراحة الحلوة ، والنعيم اللين والأنس الكريم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

وقوله : فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ فَرَوْحَ وَرَيْحانٌ يقول تعالى ذكره : فأما إن كان الميت من المقرّبين الذين قرّبهم الله من جواره في جنانه فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ يقول : فله روح وريحان .

واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار فَرَوْحٌ بفتح الراء ، بمعنى : فله برد . وَرَيْحانٌ يقول : ورزق واسع في قول بعضهم ، وفي قول آخرين فله راحة وريحان وقرأ ذلك الحسن البصريّ «فَرُوحٌ » بضم الراء ، بمعنى : أن روحه تخرج في ريحانة .

وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بالفتح لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، بمعنى : فله الرحمة والمغفرة ، والرزق الطيب الهنّي .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : فَرَوْحٌ ورَيْحانٌ فقال بعضهم : معنى ذلك : فراحة ومستراح . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ يقول : راحة ومستراح .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال : يعني بالريحان : المستريح من الدنيا وَجَنّةُ نَعِيمٍ يقول : مغفرة ورحمة .

وقال آخرون : الرّوح : الراحة ، والرّيْحان : الرزق . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال : راحة . وقوله : وريحان قال : الرزق .

وقال آخرون : الرّوْح : الفرح ، والرّيْحان : الرزق . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا إدريس ، قال : سمعت أبي ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جُبَير ، في قوله : فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال : الرّوْح : الفرح ، والرّيحان : الرزق .

وأما الذين قرأوا ذلك بضم الراء فإنهم قالوا : الرّوح : هي رُوح الإنسان ، والرّيحان : هو الريحان المعروف . وقالوا : معنى ذلك : أن أرواح المقرّبين تخرج من أبدانهم عند الموت برَيحان تشمه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن الحسن فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال : تخرج رُوحه في ريحانة .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية فأما إنْ كانَ مِنَ المقرّبين قال : لم يكن أحد من المقرّبين يفارق الدنيا ، والمقرّبون السابقون ، حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ، ثم يُقبض .

وقال آخرون ممن قرأ ذلك بفتح الراء : الرّوْح : الرحمة ، والرّيحان : الريحان المعروف . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال : الروح : الرحمة ، والريحان : يُتَلَقى به عند الموت .

وقال آخرون منهم : الرّوْح : الرحمة ، والرّيحان : الاستراحة . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ الرّوْح : المغفرة والرحمة ، والرّيحان : الاستراحة .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن منذر الثوريّ ، عن الربيع بن خثيم فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ قال : هذا عند الموت فَرَوْحٌ وَرَيحانٌ قال : يُجاء له من الجنة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا قرة ، عن الحسن ، في قوله : فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَربِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنةُ نَعِيمٍ قال : ذلك في الاَخرة ، فقال له بعض القوم قال : أما والله إنهم ليرون عند الموت .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا قُرة ، عن الحسن ، بمثله .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي : قول من قال : عُني بالرّوْح : الفرح والرحمة والمغفرة ، وأصله من قولهم : وجدت رَوْحا : إذا وجد نسيما يَسَترْوح إليه من كَرَبِ الحرّ . وأما الرّيحان ، فإنه عندي الريحان الذي يُتَلقى به عند الموت ، كما قال أبو العالية والحسن ، ومن قال في ذلك نحو قولهما ، لأن ذلك الأغلب والأظهر من معانيه .

وقوله : وَجَنّةُ نَعِيمٍ يقول : وله مع ذلك بستان نعيم يتنعم فيه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وجنة نعيم ، قال : قد عُرِضت عليه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

فروح فله استراحة وقرئ فروح بالضم وفسر بالرحمة لأنها كالسبب لحياة المرحوم وبالحياة الدائمة وريحان ورزق طيب وجنة نعيم ذات تنعم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

والروح : الرحمة والسعة والفرح ، ومنه { روح الله } [ يوسف : 87 ] والريحان وهو دليل النعيم ، وقال مجاهد ، الريحان : الرزق . وقال أبو العالية وقتادة والحسن ، الريحان : هذا الشجر المعروف في الدنيا يلقى المقربين ريحاناً من الجنة .

وقرأ الحسن وابن عباس وجماعة كثيرة «فرُوح » بضم الراء . وقال الحسن ومعناه : روحه يخرج في ريحانه وقال الضحاك ، الريحان : الاستراحة .

قال القاضي أبو محمد : الريحان ، ما تنبسط إليه النفوس . وقال الخليل : هو طرف كل بقلة طيبة فيها أوائل النور ، وقد قال عليه السلام في الحسن والحسين : «هما ريحانتاي من الدنيا »{[10943]} ، وقال النمر بن تولب : [ المتقارب ]

سلام الإله وريحانه . . . ورحمته وسماء درر{[10944]}

وقالت عائشة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : «فرُوح » بضم الراء .


[10943]:أخرجه البخاري في (فضائل الصحابة) و(الأدب)، والترمذي في المناقب، ولفظه في البخاري عن ابن أبي نعيم: سمعت عبد الله بن عمر، وسأله عن المُحرم، قال شعبة: أحسبه يقتل الذباب، فقال: أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(هما ريحانتاي من الدنيا).
[10944]:سبق التعليق عليه في أول سورة الرحمن، عند تفسير قوله تعالى:{والحب ذو العصف والريحان}. ص(184) هامش رقم (2) من هذا الجزء.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

والرَّوْح : بفتح الراء في قراءة الجمهور ، وهو الراحة ، أي فرَوْح له ، أي هو في راحة ونعيم ، وتقدم في قوله : { ولا تيأسوا من روح الله } في سورة يوسف ( 87 ) . وقرأه رويس عن يعقوب بضم الراء . ورويت هذه القراءة عن عائشة عن النبي عند أبي داود والترمذي والنسائي ، أي أن رسول الله روي عنه الوجهان ، فالمشهور روي متواتراً ، والآخر روي متواتراً وبالآحاد ، وكلاهما مراد .

ومعنى الآية على قراءة ضم الراء : أن روحه معها الريحان وهو الطيب وجنة النعيم . وقد ورد في حديث آخر : أن رُوح المؤمن تخرج طيبة . وقيل : أطلق الرُّوح بضم الراء على الرحمة لأن من كان في رحمة الله فهو الحيّ حقاً ، فهو ذو روح ، أما من كان في العذاب فحياته أقل من الموت ، قال تعالى : { لا يموت فيها ولا يحيى } [ الأعلى : 13 ] ، أي لأنه يتمنى الموت فلا يجده .

والريحان : شجر لورقة وقضبانه رائحة ذكية شديد الخضرة كانت الأمم تزين به مجالس الشراب . قال الحريري « وطوراً يستبزل الدنان ، ومرة يستنثق الريحان » وكانت ملوك العرب تتخذهُ ، قال النابغة :

يُحَيَّوْن بالريحان يوم السباسب

وتقدم عند قوله تعالى : { والحب ذو العصف والريحان } في سورة الرحمن ( 12 ) ، فتخصيصه بالذكر قبل ذكر الجنة التي تحتوي عليه إيماء إلى كرامتهم عند الله ، مثل قوله : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } [ الرعد : 23 ، 24 ] .

وجملة { فروح وريحان } جواب ( أما ) التي هي بمعنى : مهما يكن شيء . وفُصل بين ( ما ) المتضمنة معنى اسم شرط وبين فعل شرط وبين الجواب بشرط آخر هو { إن كان من المقربين } لأن الاستعمال جرى على لزوم الفصل بين ( أمّا ) وجوابها بفاصل كراهية اتصال فاء الجواب بأداة الشرط لما التزموا حذف فعل الشرط فأقاموا مقامه فاصلاً كيفَ كان .