التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ} (101)

وقوله - سبحانه - { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن ظلموا أَنفُسَهُمْ . . } بيان لمظاهر عدله فى قضائه وأحكامه .

والضمير المنصوب فى { ظَلَمْنَاهُمْ } يعود إلى أهل هذه القرى ، لأنهم هم المقصودون بالحديث .

أى : وما ظلمنا أهل هذه القرى بإهلاكنا إياهم ، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم ، بسبب إصرارهم على الكفر ، وجحودهم للحق ، واستهزائهم بالرسل الذين جاءوا لهدايتهم . . .

ثم بين - سبحانه - موقف آلهتهم المخزى منهم فقالك { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ التي يَدْعُونَ مِن دُونِ الله مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ . . } .

أى : أن هؤلاء المهلكين عندما نزل بهم العذاب ، لم تنفعهم أصنامهم التى كانوا يعبدونها من دون الله شيئا من النفع . . . بل هى لم تنفع نفسها فقد اندثرت معهم كما اندثروا .

والفاء فى قوله - سبحانه - { فَمَا أَغْنَتْ } للتفريع على ظلمهم لأنفسهم ، لأن اعتمادهم على شفاعة الأصنام ، وعلى دفاعها عنهم . . . من مظاهر جهلهم وغبائهم وظلمهم لأنفسهم .

و { من } فى قوله : { مِن شَيْءٍ } لتأكيد انتفاء النفع والإِغناء : أى : لم تغن عنهم شيئا ولو قليلا من الإِغناء ؛ ولم تنفعهم لا فى قليل ولا كثير . . .

وجملة { وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } تأكيد لنفى النفع ، وإثبات للضر والخسران .

والتتبيب : مصدر تب بمعنى خسر ، فلان فلانا إذا وقعه فى الخسران .

ومنه قوله - تعالى - { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } أى : هلكتا وخسرتا كما قد هلك وخسر هو .

أى : وما زادتهم أصنامهم التى كانوا يعتمدون عليها فى دفع الضر سوى الخسران والهلاك .

قال الإِمام الرازى : والمعنى : " أن الكفار كانوا يعتقدون فى الأصنام أنها تعين على تحصيل المنافع ودفع المضار ، ثم إنه - تعالى - أخبر أنهم عند مساس الحاجة إلى المعين ، ما وجدوا منها شيئا لا جلب نفع ولا دفع ضر ، ثم كما لم يجدوا ذلك فقد وجدوا ضده ، وهو أن ذلك الاعتقاد زالت عنهم به منافع الدنيا والآخرة ، وجلب لهم مضارهما ، فكان ذلك من أعظم موجبات الخسران " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ} (101)

100

( وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم ) . .

فهم قد عطلوا مداركهم ، وتولوا عن الهدى ، وكذبوا بالآيات ، واستهزأوا بالوعيد ، فصاروا إلى ما صاروا إليه ظالمين لأنفسهم لا مظلومين .

( فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ، وما زادوهم غير تتبيب ) . .

وهذا غرض آخر من أغراض هذا القصص . فقد افتتحت السورة بإنذار الذين يدينون لغير الله سبحانه ؛ وتكرر الإنذار مع كل رسول ؛ وقيل لهم : إن هذه الأرباب المفتراة لا تعصمهم من الله . . فها هي ذي العاقبة تصدق النذر . فلا تغني عنهم آلهتهم شيئا ، ولا تدفع عنهم العذاب لما جاء أمر ربك ، بل ما زادهم هؤلاء الآلهة إلا خسارة ودمارا . [ ولفظ تتبيب أقوى ببنائه اللفظي وجرسه المشدد ] ذلك أنهم اعتمدوا عليهم ، فزادوا استهتارا وتكذيبا . فزادهم الله نكالا وتدميرا . فهذا معنى ( ما زادوهم )فهم لا يملكون لهم ضرا كما أنهم لا يملكون لهم نفعا . ولكن بسببهم كانت الخسارة المضاعفة والتدمير المضاعف والنكال الشديد . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ} (101)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلََكِن ظَلَمُوَاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لّمّا جَآءَ أَمْرُ رَبّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } .

يقول تعالى ذكره : وما عاقبنا أهل هذه القُرى التي اقتصصنا نبأها عليك يا محمد بغير استحقاق منهم عقوبتنا ، فتكون بذلك قد وضعنا عقوبتناهم في غير موضعها ، { ولَكِنْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ } ، يقول : ولكنهم أوجبوا لأنفسهم بمعصيتهم الله وكفرهم به ، عقوبته وعذابه ، فأحلوا بها ما لم يكن لهم أن يحلوه بها ، وأوجبوا لها ما لم يكن لهم أن يوجبوه لها . { فَمَا أغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ التي يَدْعُونَ منْ دُونِ اللّهِ منْ شَيْءٍ } ، يقول : فما دفعت عنهم آلهتهم التي يدعونها من دون الله ويدعونها أربابا من عقاب الله وعذابه إذا أحله بهم ربهم من شيء ، ولا ردّت عنهم شيئا منه . { لَمّا جاءَ أمْرُ رَبّكَ } يا محمد ، يقول : لما جاء قضاء ربك بعذابهم ، فحقّ عليهم عقابه ونزل بهم سخطه . { وَما زَادُوهُمْ غيرَ تَتْبيبٍ } ، يقول : وما زادتهم آلهتهم عند مجيء أمر ربك هؤلاء المشركين بعقاب الله غير تخسير وتدمير وإهلاك ، يقال منه : تَبَّبْتُه أُتَبِّبُهُ تتبيبا ، ومنه قولهم للرجل : تبّا لك ، قال جرير :

عَرادةُ مِنْ بَقِيّةِ قَوْمِ لُوطٍ *** ألا تَبّا لِمَا فَعَلوا تَبابَا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سعيد بن سلام أبو الحسن البصري ، قال : حدثنا سفيان ، عن نسير بن ذعلوق ، عن ابن عمر في قوله : { وَما زَادُوهُمْ غيرَ تَتْبِيبٍ } ، قال : غير تخسير .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { غيرَ تَتْبِيبٍ } ، قال : تخسير .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { غيرَ تَتْبِيبٍ } ، يقول : غير تخسير .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { غيرَ تَتْبِيبٍ } ، قال : غير تخسير .

وهذا الخبر من الله تعالى ذكره ، وإن كان خبرا عمن مضى من الأمم قبلنا ، فإنه وعيد من الله جلّ ثناؤه لنا أيتها الأمة : أنا إن سلكنا سبيل الأمم قبلنا في الخلاف عليه وعلى رسوله ، سلك بنا سبيلهم في العقوبة ، وإعلام منه لنا : أنه لا يظلم أحدا من خلقه ، وأن العباد هم الذين يظلمون أنفسهم . كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال : اعتذر ، يعني : ربنا جلّ ثناؤه إلى خلقه ، فقال : وَما ظَلَمْناهُم مما ذكرنا لك من عذاب من عذّبنا من الأمم ، { وَلَكِنْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُم فَمَا أغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ } ، حتى بلغ : { وَما زَادُوهُمْ غيرَ تَتْبِيبٍ } ، قال : ما زادهم الذين كانوا يعبدونهم غير تتبيب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ} (101)

{ وما ظلمناهم } بإهلاكنا إياهم . { ولكن ظلموا أنفسهم } بأن عرضوها له بارتكاب ما يوجبه . { فما أغنت عنهم } فما نفعتهم ولا قدرت أن تدفع عنهم بل ضرتهم . { آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك } حين جاءهم عذابه ونقمته . { وما زادوهم غير تتبيب } هلاك أو تخسير .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ} (101)

المعنى : وما وضعنا عندهم من التعذيب ما لا يستحقونه ، لكنهم ظلموا أنفسهم بوضعهم الكفر موضع الإيمان ، والعبادة في جنبة الأصنام{[6501]} ، فما نفعتهم تلك الأصنام ولا دفعت عنهم حين جاء عذاب الله .

وال { تتبيب } الخسران ، ومنه { تبت يدا أبي لهب }{[6502]} ومنه قول جرير : [ الوافر ]

عرابية من بقية قوم لوط*** ألا تبا لما عملوا تبابا{[6503]}

وصورة زيادة الأصنام التتبيب ، إنما يتصور : إما بأن تأميلها والثقة بها والتعب في عبادتها شغلت نفوسهم وصرفتها عن النظر في الشرع وعاقتها ، فلحق عن ذلك عنت وخسران ، وإما بأن عذابهم على الكفر يزاد إليه عذاب على مجرد عبادة الأوثان .


[6501]:- الجنبة والجنبة من الشيء: جانبه وناحيته، فقد جعلوا العبادة للأصنام وفي ناحيتها.
[6502]:- الآية (1) من سورة (المسد).
[6503]:- البيت من قصيدة قالها جرير في هجاء الرّاعي النّميري، وهي في "النقائض"- طبع بيفان ص 432- وكذلك ذكرت في "منتهى الطلب" لابن ميمون، و"الخزانة 1-34، و"عرارة" جاء محرفا في الأصول "عرابة"، وروي: (لما فعلوا) في الديوان، و(لما صنعوا) في "التاج" و"اللسان"، وعرارة النّميري هذا هو راوية الراعي النميري الذي قيلت فيه القصيدة كلها، وعرارة في الأصل اسم نبات.