التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

ثم شرع - سبحانه - فى بيان شأن الظهار فى ذاته ، وفى بيان حكمه المترتب عليه شرعا فقال : { الذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ } .

وقوله : { يُظَاهِرُونَ } من الظهار ، وهو لغة مصدر ظاهر ، وهو مفاعلة من الظهر .

قال الآلوسى : والظهار يراد به معان مختلفة راجعة إلى الظهر معنى ولفظا باختلاف الأغراض ، فيقال : ظاهر زيد عمراً ، أي : قابل ظهره بظهره حقيقة ، وكذا إذا غايظه . . وظاهره إذا ناصره باعتبار أنه يقال : قوى ظهره إذا نصره " .

والمراد به هنا : أن يقول الرجل لزوجته : أنت علي كظهر أمي ، قاصدا بذلك تحريم زوجته على نفسه كتحريم أمه عليه .

وكان هذا القول من الرجل لامرأته يؤدي إلى طلاقها منه ، بحيث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وقيل : إلى طلاقها منه طلاقاً مؤبدا لا تحل له بعده .

وقيل : إن هذا القول لم يكن طلاقا من كل وجه ، بل كانت الزوجة تبقى بعده معلقة ، فلا هي مطلقة ، ولا هي غير مطلقة .

و " من " في قوله { مِّن نِّسَآئِهِمْ } بيانية ، لإفادة أن هذا تشريع عام ، وليس خاصا بخولة بنت ثعلبة ، التي نزلت فى شأنها هذه الآيات .

وجملة : { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } قائمة مقام الخبر ، ودالة عليه .

والمعنى : الذين يظاهرون منكم - أيها المؤمنون - من نسائهم بأن يقولوا لهن : أنتن علينا كظهر أمهاتنا ، مخطئون فيما يقولون ، فإن زوجاتهم لسن بأمهاتهم .

{ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ } أي : ليس أمهاتهم على سبيل الحقيقة والواقع إلا النساء اللائي ولدنهم وأرضعتهم ، وقمن برعايتهم فى مراحل الطفولة والصبا والشباب .

ثم أكد - سبحانه - هذا المعنى بقوله : { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً } .

أي : وإن هؤلاء الرجال الذين يقولون لأزواجهم : أنتن علينا كظهور أمهاتنا فى الحرمة ، ليتفوهون بما هو منكر من القول ، فى حكم الشرع وفى حكم العقل ، وفى حكم الطبع . وفضلا عن كل ذلك فهو قول كاذب وباطل إذ لم يحرم الله - تعالى - الزوجة على زوجها ، كما حرم عليه أمه . فعلاقة الأزواج بأمهاتهم ، تختلف اختلافا تاما عن علاقتهم بزوجاتهم .

وإذاً فالمقصود بهذه الجملة الكريمة : التوبيخ على هذا القول ، وهو قول الرجل لزوجته : أنت علي كظهر أمي ، وذم من ينطق به ، لأنه يعرض مقام الأمهات - وهو مقام في أسمى درجات الاحترام والتبجيل - - إلى تخيلات قبيحة تصاحب النطق بهذا الكلام .

وكعادة القرآن الكريم فى قرن الترهيب بالترغيب ، حتى لا تيأس النفوس من رحمة الله ، ختمت الآية الكريمة بما يدل على فضله - تعالى - .

فقال : { وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } أي : وإن الله - تعالى - لكثير العفو والمغفرة ، لمن تاب إليه - سبحانه - وأناب وأقلع عن تلك الأقوال والأفعال التى يبغضها - سبحانه - .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

1

ثم يقرر أصل القضية ، وحقيقة الوضع فيها :

( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم . إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم . وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ، وإن الله لعفو غفور ) . .

فهو علاج للقضية من أساسها . إن هذا الظهار قائم على غير أصل . فالزوجة ليست أما حتى تكون محرمة كالأم . فالأم هي التي ولدت . ولا يمكن أن تستحيل الزوجة أما بكلمة تقال . إنها كلمة منكرة ينكرها الواقع . وكلمة مزورة ينكرها الحق . والأمور في الحياة يجب أن تقوم على الحق والواقع ، في وضوح وتحديد ، فلا تختلط ذلك الاختلاط ، ولا تضطرب هذا الاضطراب . . ( وإن الله لعفو غفور )فيما سلف من هذه الأمور .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مّن نّسَآئِهِمْ مّا هُنّ أُمّهَاتِهِمْ إِنْ أُمّهَاتُهُمْ إِلاّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنّ اللّهَ لَعَفُوّ غَفُورٌ } .

يقول تعالى ذكره : الذين يحرّمون نساءهم على أنفسهم تحريم الله عليهم ظهور أمهاتهم ، فيقولون لهنّ : أنتن علينا كظهور أمهاتنا ، وذلك كان طلاق الرجل امرأته في الجاهلية . كذلك :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، قال : كان الظهار طلاقا في الجاهلية ، الذي إذا تكلم به أحدهم لم يرجع في امرأته أبدا ، فأنزل الله عزّ وجلّ فيه ما أنزل .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة سوى نافع ، وعامة قرّاء الكوفة خلا عاصم : «يَظّاهَرُونَ » بفتح الياء وتشديد الظاء وإثبات الألف ، وكذلك قرأوا الأخرى بمعنى يتظاهرون ، ثم أدغمت التاء في الظاء فصارتا ظاء مشدّدة . وذكر أنها في قراءة أُبي : «يَتَظاهَرُونَ » وذلك تصحيح لهذه القراءة وتقوية لها وقرأ ذلك نافع وأبو عمرو وكذلك بفتح الياء وتشديد الظاء ، غير أنهما قرآه بغير ألف : «يَظّهّرونَ » . وقرأ ذلك عاصم : يُظاهِرُونَ بتخفيف الظاء وضم الياء وإثبات الألف .

والصواب من القول في ذلك عندي أن كلّ هذه القراءات متقاربات المعاني . وأما «يَظّاهَرُونَ » فهو من تظاهر ، فهو يتظاهر . وأما «يَظّهّرُونَ » فهو من تظهّر فهو يتظهّر ، ثم أدغمت التاء في الظاء فقيل : يظّهر . وأما يُظاهِرُونَ فهو من ظاهر يظاهر ، فبأية هذه القراءات الثلاث قرأ ذلك القارىء فمصيب .

وقوله : ما هُنّ أمّهاتِهِمْ يقول تعالى ذكره : ما نساؤهم اللائي يُظاهرن منهنّ بأمهاتهم ، فيقولوا لهنّ : أنتن علينا كظهر أمهاتنا ، بل هنّ لهم حلال .

وقوله : إنْ أُمّهاتُهُمْ إلاّ اللاّئي وَلَدْنَهُمْ لا اللائي قالوا لهنّ ذلك .

وقوله : وإنّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرا مِنَ القَوْلِ وَزُورا يقول جلّ ثناؤه : وإن الرجال ليقولون منكرا من القول الذي لا تُعرف صحته وزورا : يعني كذبا ، كما :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة مُنْكَرا مِنْ القَوْلِ وَزُورا قال : الزور : الكذب وَإنّ اللّهَ لَعَفُوّ غَفُورٌ يقول جلّ ثناؤه : إن الله لذو عفو وصفح عن ذنوب عباده إذا تابوا منها وأنابوا ، غفور لهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

الذين يظاهرون منكم من نسائهم الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي مشتق من الظهر وألحق به الفقهاء تشبيهها بجزء أنثى محرم وفي منكم تهجين لعادتهم فيه فإنه كان من إيمان أهل الجاهلية وأصل يظاهرون يتظاهرون وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي يظاهرون من إظاهر ، وعاصم يظاهرون من ظاهر ما هن أمهاتهم أي على الحقيقة إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم فلا تشبه بهن في الحرمة إلا من ألحقها الله بهن كالمرضعات وأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم وعن عاصم أمهاتهم بالرفع على لغة بني تميم وقرىء ب أمهاتهم وهو أيضا على لغة من ينصب وإنهم ليقولون منكرا من القول إذ الشرع أنكره وزورا منحرفا عن الحق فإن الزوجة لا تشبه الأم وإن الله لعفو غفور لما سلف منه مطلقا أو إذا تيب عنه .