ثم بين - سبحانه - : ما حدث لموسى بعد أن وصل إلى الجهة التى فيها النار فقال - تعالى - : { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الوادي الأيمن فِي البقعة المباركة مِنَ الشجرة أَن ياموسى إني أَنَا الله رَبُّ العالمين } .
والضمير فى " أتاها " ، يعود إلى النار التى رآها ، وشاطىء الوادى : جانبه ، والأيمن : صفته .
أى : فحين أتى موسى - عليه السلام - إلى النار التى أبصرها ، { نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الوادي الأيمن } أى سمع نداء من الجانب الأيمن بالنسبة له ، أى : لموسى وهو يسير إلى النار التى رآها ، فمن لابتداء الغاية .
ويرى بعضهم أن المراد بالأيمن . أى : المبارك ، مأخوذ من اليمن بمعنى البركة .
وقوله : { فِي البقعة المباركة } متعلق بقوله { نُودِيَ } أو بمحذوف حال من الشاطىء .
وقوله : { مِنَ الشجرة } بدل اشتمال من شاطىء الوادى ، فإنه كان مشتملا عليها .
والبقعة : اسم للقطعة من الأرض التى تكون غير هيئة القطعة المجاورة لها وجمعها بقع بضم الباء وفتح القاف - وبقاع .
ووصفت بالبركة : لما وقع فيها من التكليم والرسالة لموسى ، و إظهار المعجزات والآيات على يديه .
أى : فلما اقترب موسى من النار ، نودى من ذلك المكان الطيب ، الكائن على يمينه وهو يسير إليه . والمشتمل على البقعة المباركة من ناحية الشجرة .
ولعل التنصيص على الشجرة ، للإشارة إلى أنها كانت الوحيدة فى ذلك المكان .
و { أَن } فى قوله - تعالى - : { أَن ياموسى إني أَنَا الله رَبُّ العالمين } تفسيرية ، لأن النداء قوله .
أى : نودى أن يا موسى تنبه وتذكر إنى أنا الله رب العالمين .
قال الإمام ابن كثير : وقوله - تعالى - : { أَن ياموسى إني أَنَا الله رَبُّ العالمين } أى : الذى يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين ، الفعال لما يشاء لا إله غيره . ولا رب سواه ، تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات فى ذاته وصفاته وأقواله - سبحانه - .
فأما المشهد الثاني فهو المفاجأة الكبرى :
( فلما أتاها نودي من شاطى ء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة . . )
فها هو ذا يقصد إلى النار التي آنساها ، وها هو ذا في شاطى ء الوادي إلى جوار جبل الطور ، الوادي إلى يمينه ، ( في البقعة المباركة ) . . المباركة ، منذ هذه اللحظة . . ثم هذا هو الكون كله تتجاوب جنباته بالنداء العلوي الآتي لموسى ( من الشجرة )ولعلها كانت الوحيدة في هذا المكان :
( أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ) :
وتلقى موسى النداء المباشر . تلقاه وحيدا في ذلك الوادي العميق ، في ذلك الليل الساكن . تلقاه يتجاوب به الكون من حوله ، وتمتلىء به السماوات والأرضون . تلقاه لا ندري كيف وبأية جارحة وعن أي طريق . تلقاه ملء الكون من حوله ، وملء كيانه كله . تلقاه وأطاق تلقيه لأنه صنع على عين الله حتى تهيأ لهذه اللحظة الكبرى .
وسجل ضمير الوجود ذلك النداء العلوي ؛ وبوركت البقعة التي تجلى عليها ذو الجلال ؛ و تميز الوادي الذي كرم بهذا التجلي ، ووقف موسى في أكرم موقف يلقاه إنسان .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الْوَادِي الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشّجَرَةِ أَن يَمُوسَىَ إِنّيَ أَنَا اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : فلما أتى موسى النارَ التي آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطّورِ نُودِيَ مِنْ شَاطِىء الْوَادِ الأَيمَنِ يعني بالشاطىء : الشطّ ، وهو جانب الوادي وعدوته ، والشاطىء يجمع شواطىء وشطآن . والشطّ : الشُطوطَ . والأيمن : نعت من الشاطىء عن يمين موسى . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله مِنْ شاطِىءِ الوَادِ الأيمَنِ قال ابن عمرو في حديثه عند الطور . وقال الحارث في حديثه من شاطىء الوادي الأيمن عند الطور عن يمين موسى .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد فَلَمّا أتاها نُودِيَ مِنْ شاطِىءِ الوَادِ الأيمَنِ قال : شِقّ الوادي عن يمين موسى عند الطور .
وقوله : في البُقْعة المباركة من صلة الشاطىء .
وتأويل الكلام : فلما أتاها نادى الله موسى من شاطىءِ الوادي الأيمن في البقعة المباركة منه من الشجرة : أنْ يا مُوسَى إنّي أنا اللّهُ رَبّ العالَمِينَ .
وقيل : إن معنى قوله مِنَ الشّجَرَةِ : عند الشجرة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله فَلَمّا أتاها نُودِيَ مِنْ شاطىءِ الوَادِ الأيمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبارَكَةِ مِنَ الشّجَرَةِ قال : نودي من عند الشجرة أنْ يا مُوسَى إني أنا اللّهُ رَبّ العالَمِينَ .
وقيل : إن الشجرة التي نادى موسى منها ربه : شجرة عَوْسَج . وقال بعضهم : بل كانت شجرة العُلّيق . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة ، في قوله الْبُقْعَة المبارَكَةِ مِنَ الشّجَرَةِ قال : الشجرة عوسج . قال معمر ، عن قَتادة : عصا موسى من العَوْسج والشجرة من العَوْسَج .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض من لا يتهم ، عن بعض أهل العلم إنّي آنَسْتُ نارا قال : خرج نحوها ، فإذا هي شجرة من العُلّيق ، وبعض أهل الكتاب يقول : هي عَوْسجة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : رأيت الشجرة التي نودي منها موسى عليه السلام ، شجرة سَمْراء خضراء ترفّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.