التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (202)

ثم بين - سبحانه - جزاء هذا الفريق الثاني فقال : { أولئك لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ والله سَرِيعُ الحساب } .

فاسم الإِشارة يعود إلى الفريق الثاني باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت الجميلة وكانت الإِشارة للبعيد لبيان علو منزلتهم ، وسمو درجاتهم ولم يعطف على ما قبله لأنه كالنتيجة له .

وقيل : إن الإِشارة تعود إلى الفريقين . أي : لكل من الفريقين نصيب من عمله على قدر ما نواه . ويضعفه أن الله - تعالى - قد ذكر قبل ذلك عاقبة الفريق الأول بقوله : { وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ } .

والمعنى : أولئك الذين جمعوا في دعائهم بين طلب حسنتي الدنيا والآخرة لهم نصيب جزيل ، وحظ عظيم من جنس ما كسبوا من الأعمال الصالحة ، أو من أجل ما كسبوا من الفعال الطيبة .

فحرف الجر " من " يصح أن يكون للابتداء أو للتبعيض .

وفي هذه الجملة الكريمة وعد من الله لعباده أنهم متى تضرعوا إليه بقلب سليم ، أجاب لهم دعاءهم ، وأعطاهم سؤالهم .

قال القرطبي : وقوله : { والله سَرِيعُ الحساب } من سرع يسرع - مثل عظم يعظم - فهو سريع . و { الحساب } مصدر كالمحاسبة ، وقد يسمى المحسوب حساباً . والحساب : العد .

ويقال : حسب يحسب حساباً وحسابة وحسباناً أي : عد .

والمعنى في الآية : أن الله - تعالى - سريع الحساب لا يحتاج إلى عد ولا إلى عقد ولا إلى إعمال فكر كما يفعله الحساب ، ولهذا قال وقوله الحق ( وكفى بِنَا حَاسِبِينَ ) . فالله - تعالى - عالم بما للعباد وما عليهم فلا يحتاج إلى تذكر وتأمل .

وقيل : سريع المجازاة للعباد بأعمالهم ، وقيل لعلي بن أبي طالب : كيف يحاسب الله العباد في يوم ؟ قال : كما يرزقهم في يوم . ومعنى الحساب : تعريف الله عباده مقادير الجزاء على أعمالهم وتذكيره إياهم بما قد نسوه .

وقيل : معنى الآية سريع بمجئ يوم الحساب ، فالمقصود بالآية الإِنذار ليوم : القيامة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (202)

189

وهؤلاء لهم نصيب مضمون لا يبطىء عليهم . فالله سريع الحساب .

إن هذا التعليم الإلهي يحدد : لمن يكون الاتجاه . ويقرر أنه من اتجه إلى الله وأسلم له أمره ، وترك لله الخيرة ، ورضي بما يختاره له الله ، فلن تفوته حسنات الدنيا ولا حسنات الآخرة . ومن جعل همه الدنيا فقد خسر في الآخرة كل نصيب . والأول رابح حتى بالحساب الظاهر . وهو في ميزان الله أربح وأرجح . وقد تضمن دعاؤه خير الدارين في اعتدال ، وفي استقامة على التصور الهاديء المتزن الذي ينشئه الإسلام .

إن الإسلام لا يريد من المؤمنين أن يدعوا أمر الدنيا . فهم خلقوا للخلافة في هذه الدنيا . ولكنه يريد منهم أن يتجهوا إلى الله في أمرها ؛ وألا يضيقوا من آفاقهم ، فيجعلوا من الدنيا سورا يحصرهم فيها . . إنه يريد أن يطلق( الإنسان ) من أسوار هذه الأرض الصغيرة ؛ فيعمل فيها وهو أكبر منها ؛ ويزاول الخلافة وهو متصل بالأفق الأعلى . . ومن ثم تبدو الاهتمامات القاصرة على هذه الأرض ضئيلة هزيلة وحدها حين ينظر إليها الإنسان من قمة التصور الإسلامي . .