غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (202)

197

{ أولئك } الداعون بالحسنتين { لهم نصيب } وأي نصيب { مما كسبوا } من جنس ما كسبوا من الأعمال الحسنة وهو الثواب الذي هو المنافع الحسنة . فمن للابتداء . ويحتمل التعليل أي من أجل ما كسبوا كقوله { مما خطيئاتهم أغرقوا } [ نوح : 25 ] والكسب ما يناله المرء بعمله ومنه يقال للأرباح " إنها كسب فلان " أولهم نصيب مما دعوا به يعطيهم بحسب مصالحهم في الدنيا واستحقاقهم في الآخرة وسمي الدعاء كسباً لأنه من الأعمال والأعمال موصوفة بالكسب { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى : 30 ] ويجوز أن يكون { أولئك } للفريقين جميعاً وأن لكل فريق نصيباً من جنس ما كسبوا . { والله سريع الحساب } السرعة نقيض البطء . والحساب مصدر كالمحاسبة وهو العدّ قال الزجاج : هو مأخوذ من قوله " حسبك كذا " أي كفاك . وذلك أن فيه كفاية وليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان . ومعنى كون الله محاسباً لخلقه قيل : إنه يعلمهم ما لهم وعليهم بأن يخلق العلم الضروري في قلوبهم بمقادير أعمالهم وكمياتها وكيفياتها ، أو بمقادير ما لهم من الثواب والعقاب . ووجه هذا المجاز أن الحساب سبب لحصول علم الإنسان بماله وعليه ، فإطلاق الحساب على هذا الإعلام إطلاق اسم السبب على المسبب . عن ابن عباس أنه قال : لا حساب على الخلق بل يقفون بين يدي الله يعطون كتبهم بأيمانهم فيها سيئاتهم فيقال لهم : هذه سيئاتكم قد تجاوزت عنها ، ثم يعطون حسناتهم ويقال : هذه حسناتكم قد ضعفتها لكم . وقيل : المحاسبة المجازاة { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً } [ الطلاق : 8 ] ووجه المجاز أن الحساب سبب للأخذ والإعطاء . وقيل : إنه تعالى يكلم العباد في أحوال أعمالهم وكيفية ما لها من الثواب والعقاب . فمن قال : إن كلامه ليس بحرف ولا صوت قال : إنه تعالى يخلق في أذن المكلف سمعاً يسمع به كلامه القديم كما يخلق في عينه رؤية يرى بها ذاته القديمة . ومن قال : إنه صوت قال : إنه تعالى يخلق كلاماً يسمعه كل مكلف . إما بأن يخلق ذلك الكلام في أذن كل واحد منهم و في جسم يقرب من أذنه بحيث لا يبلغ قوة ذلك الصوت مبلغاً يمنع الغير من فهم ما كلف به ، فهذا هو المراد من كونه محاسباً لخلقه ، ومعنى كونه سريع الحساب أو قدرته تعالى متعلقة بجميع الممكنات من غير أن يفتقر في أحداث شيء إلى فكر وروية ومدة وعدّة ، ولذلك ورد في الخبر أنه يحاسب الخلق في مقدار حلب شاة ، وروي في لمحة . أو أنه سريع القبول لدعاء عباده والإجابة لهم لأنه قادر على أن يعطي مطالب جميع الخلائق في لحظة واحدة كما ورد في الدعاء المأثور " يا من لا يشغله سمع عن سمع " ، أو أن وقت جزائه وحسابه سريع يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب العباد كقوله تعالى { اقترب للناس حسابهم } [ الأنبياء : 1 ] .

/خ203