محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (202)

{ أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب 202 } .

{ أولئك } إشارة إلى الفريق الثاني باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت الجميلة ، وما فيه من معنى البعد لما مر مرارا من الإشارة إلى علو درجتهم ، وبعد منزلتهم في الفضل { لهم نصيب مما كسبوا } أي : من جنس ما كسبوا من الأعمال الحسنة وهو الثواب الذي هو المنافع الحسنة . أو من أجل ما كسبوا ، كقوله : { مما خطيئاتهم أغرقوا } {[1168]} . أو لهم نصيب مما دعوا به نعطيهم منه في الدنيا والآخرة . وسمى الدعاء كسبا لأنه من الأعمال وهي موصوفة بالكسب { والله سريع الحساب } إما بمعنى سريع في الحساب كسريع في السير ، فالجملة تذييل لقوله { أولئك . . . } إلخ يعني : أنه يجازيهم على قدر أعمالهم وكسبهم ولا يشغله شأن لأنه سريع في المحاسبة ؛ أو بمعنى : سريع حسابه كحسن الوجه . فالجملة / تذييل لقوله : { فاذكروا الله كذكركم آبائكم . . . } إلخ يعني : يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب العباد . فبادروا إكثار الذكر وطلب الآخرة باكتساب الطاعات والحسنات .

وقال الراغب : لما كان الحساب يكشف عن جمل الشيء وتفصيله ، نبه بذلك على إحاطته بأفعال عباده ووقوفه على حقائقها . وذكر السريع تنبيها أن ذلك منه لا في زمان ولا بفكرة ، وذلك أبلغ ما يمكن أن يتصور به الكافة سرعة فعل الله .

تنبيه :

قال الرازي : اعلم أن الله تعالى بين أولا تفصيل مناسك الحج ، ثم أمر بعدها بالذكر فقال : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام . . . } إلخ ، ثم بين أن الأولى أن يترك ذكر غيره وأن يقتصر على ذكره فقال : { فاذكروا الله كذكركم آبائكم . . . } إلخ ، ثم بين بعد ذلك الذكر كيفية الدعاء فقال : { فمن الناس من يقول . . . } إلخ وما أحسن هذا الترتيب ! فإنه لا بد من تقديم العبادة لكسر النفس وإزالة ظلماتها ، ثم بعد العبادة لا بد من الاشتغال بذكر الله تعالى لتنوير القلب وتجلي نور جلاله ، ثم بعد ذلك الذكر ، يشتغل الرجل بالدعاء ، فإن الدعاء إنما يكمل إذا كان مسبوقا بالذكر . . !


[1168]:[71/ نوح/ 25].