النصيب : الحظ وجمعه على أفعلاء شاذ ، لأنه اسم ، قالوا : أنصباء ، وقياسه : فعل نحو : كثيب وكثب .
سريع : اسم فاعل من : سرع يسرع سرعة فهو سريع ، ويقال : أسرع وكلاهما لازم .
الحساب : مصدر حاسب ، وقال أحمد بن يحيى : حسبت الحساب أحسبه حسباً وحسباناً ، والحساب الاسم ، وقيل : الحساب مصدر حسب الشيء ، والحساب في اللغة هو العدوّ ؛ وقال الليث بن المظفر ، ويعقوب : حسب يحسب حسباناً وحسابة وحسبة وحسباً ، وأنشد :
ومنه : حسب الرجل ، وهو ما عدّه من مآثره ومفاخره ، والاحساب : الاعتداد بالشيء .
وقال الزجاج : الحساب : في اللغة مأخوذ من قولك : حسبك كذا ، أي : كفاك ، فسمي الحساب من المعاملات حساباً لأنه يعلم ما فيه كفاية ، وليس فيه زيادة ولا نقصان .
{ أولئك لهم نصيب مما كسبوا } تقدّم انقسام الناس إلى فريقين : فريق اقتصر في سؤاله على دنياه ، وفريق أشرك في دنياه أخراه ، فالظاهر أن : أولئك ، إشارة إلى الفريقين ، إذ المحكوم به ، وهو كون : نصيب لهم مما كسبوا ، مشترك بينهما ، والمعنى : أن كل فريق له نصيب مما كسب ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر .
ولا يكون الكسب هنا الدعاء ، بل هذا مجرد إخبار من الله بما يؤول إليه أمر كل واحد من الفريقين ، وأن انصباءهم من الخير والشر تابعة لاكسابهم .
وقيل : المراد بالكسب هنا الدعاء ، أي : لكل واحد منهم نصيب مما دعا به .
وسمي الدعاء كسباً لأنه عمل ، فيكون ذلك ضماناً للإجابة ووعداً منه تعالى أنه يعطي كّلاً منه نصيباً مما اقتضاه دعاؤه ، إما الدنيا فقط ، وإما الدنيا والآخرة ، فيكون كقوله : { من كان يريد حرث الآخرة } { ومن كان يريد العاجلة } و { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها } الآيات .
وكما جاء في الصحيح : وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا ما عمل لله بها ، فإذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها .
وفي المعنى الأول لا يكون فيه وعد بالإجابة .
و : من ، في قوله : مما كسبوا ، يحتمل أن تكون للتبعيض ، أي : نصيب من جنس ما كسبوا ، ويحتمل أن يكون للسبب ، و : ما ، يحتمل أن تكون موصولة لمعنى الذي أو موصولة مصدرية أي : من كسبهم ، وقيل : أولئك ، مختص بالإشارة إلى طالبي الحسنتين فقط ، ولم يذكر ابن عطية غيره .
قال ابن عطية : وعد على كسب الأعمال الصالحة في صيغة الإخبار المجرد ، وقال الزمخشري : أولئك الداعون بالحسنتين لهم نصيب من جنس ما كسبوا من الأعمال الصالحة ، وهو الثواب الذي هو منافع الحسنة ، أو من أجل ما كسبوا ، كقوله : مما خطاياهم اغرقوا ، ثم قال بعد كلام : ويجوز أن يكون أولئك الفريقين جميعاً ، وأن لكل فريق نصيباً من جنس ما كسبوا .
والأظهر ما قدمناه من أن : أولئك ، إشارة إلى الفريقين ، ويؤيده قوله : { والله سريع الحساب } وهذا ليس مما يختص به فريق دون فريق ، بل هذا بالنسبة لجميع الخلق ، والحساب يعم محاسبة العالم كلهم ، لا محاسبة هذا الفريق الطالب الحسنتين .
وروي عن ابن عباس : أن النصيب هنا مخصوص بمن حج عن ميت ، يكون الثواب بينه وبين الميت ، وروي عنه أيضاً ، في حديث الذي سأل هل يحج عن أبيه .
وكان مات ؟ وفي آخره ، قال : فهل لي من أجره ؟ فنزلت هذه الآية ، قيل : وإذا صح هذا فتكون الآية منفصلة عن التي قبلها ، معلقة بما قبله من ذكر الحج ومناسكه وأحكامه . انتهى .
وليست كما ذكر منفصلة ، بل هي متصلة بما قبلها ، لأن ما قبلها هو في الحج ، وأن انقسام الفريقين هو في الحج ، فمنهم من كان يسأل الله الدنيا فقط ، ومنهم من يسأل الدنيا والآخرة .
وحصل الجواب للسائل عن حجه عن أبيه : أله فيه أجر ؟ لعموم قوله : { أولئك لهم نصيب مما كسبوا } وقد أجاب ابن عباس بهذه الآية من سأله أن يكري دابته ويشرط عليهم أن يحج ، فهل يجزى عنه ؟ وذلك لعموم قوله : { أولئك لهم نصيب مما كسبوا } .
{ والله سريع الحساب } ظاهره الإخبار عنه تعالى بسرعة حسابه ، وسرعته بانقضائه عجلاً كقصد مدته ، فروي : بقدر حلب شاة ، وروي بمقدار فواق ناقة ، وروي بمقدار لمحة البصر .
أو لكونه لا يحتاج إلى فكر ، ولا رؤية كالعاجز ، قاله أبو سليمان .
أو : لما علم ما للمحاسب وما عليه قبل حسابه ، قاله الزجاج .
أو : لكون حساب العالم كحساب رجل واحد أو لقرب مجيء الحساب ، قاله مقاتل .
قيل : كنى بالحساب عن المجازاة على الأعمال إذا كانت ناشئة عنها كقوله : { ولم أدر ما حسابيه } يعنى ما جزائي ، وقيل : كنى بالحساب عن العلم بمجاري الأمور ، لأن الحساب يفضي إلى العلم ، قاله الزجاج أيضاً .
وقيل : عبر بالحساب عن القبول لدعاء عباده ، وقيل : عبر به عن القدرة والوفاء ، أي : لا يؤخر ثواب محسن ولا عقاب مسيء .
وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : سريع مجيء يوم الحساب .
فالمقصود بالآية الإنذار بسرعة يوم القيامة .
وقيل : سرعة الحساب تعالى رحمته وكثرتها ، فهي لا تغب ولا تنقطع .
وظاهر سياق هذا الكلام عموم الحساب للكافر والمؤمن إذ جاء بعد ما ظاهره أنه للطائعين ، ويكون حساب الكفار تقريعاً وتوبيخاً ، لأنه ليس له حسنة في الآخرة يجزى بها ، وهو ظاهر قوله : { ولم أدر ما حسابيه } وقال الجمهور : الكفار لا يحاسبون ، قال تعالى : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } { وقدِمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً } وظاهر ثقل الموازين وخفتها ، وما ترتب عليها في الآيات الواردة في القرآن شمول الحسنات للبر والفاجر ، والمؤمن والكافر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.