التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (136)

ثم أمر الله - تعالى - المؤمنين أن يثبتوا على إيمانهم فقال : { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ آمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والكتاب الذي نَزَّلَ على رَسُولِهِ والكتاب الذي أَنزَلَ مِن قَبْلُ } أى : يأيها المؤمنون اثتبوا على إيمانكم وداوما على تصديقكم بوحدانية الله - تعالى - وعلى تصديقكم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبالكتاب الذى نزله الله - تعالى - عليه وهو القرآن ، وبالكتاب الذى أنزله الله - تعالى - على الرسول الذين أرسلهم من قبله .

والمراد بالكتاب الذى أنزله على الرسل من قبله جنس الكتب السماوية كالتوراة والإِنجيل والزبور .

ثم بين - سبحانه - سوء مصير من يكفر بشئ مما يجب الإِيمان به فقال - تعالى - : { وَمَن يَكْفُرْ بالله وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليوم الآخر فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } .

أى : ومن يكفر بالله بأن الله بأن يجحد وحدانيته وألوهيته ، ولا يخلص له العبادة ، ويكفر بملائكته بأن ينكر بأنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ويكفر بكتبه التى أنزلها - سبحانه ، على أنبيائه ، وبرسوله الذين أرسلهم لهداية الخلق . وباليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، من يكفر بكل ذلك فقد خرج عن طريق الهدى وبعد عن السبيل القويم بعداً كبيراً ، لأنه بكفره بذلك يكون قد خالف الفطرة ، وانحرف عما يقتضيه العقل السليم ، وأوغل فى الشرور والآثام إيغالا شديدا ، يؤدى به إلى خزى الدنيا وعذاب الآخرة .

وبعد هذه الأوامر السديدة للمؤمنين . عادت السورة الكريمة إلى تحذيرهم من أعدائهم ومن المنافقين ، فكشفت لهم عن طبيعتهم ، ونهتهم عن القعود معهم ، وبينت لهم أنماطا من خداعهم ، وألوانا من أخلاقهم الذميمة ، وأخبرتهم عن سوء مصير أولئك المنافقين فى الغى والضلال .

واستمع إلى السورة الكريمة وهى تحكى كل ذلك بأسلوبها الحكيم فتقول { إِنَّ الذين آمَنُواْ . . . . شَاكِراً عَلِيماً } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (136)

135

( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ، والكتاب الذي نزل على رسوله ، والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر . . فقد ضل ضلالا بعيدًا ) . .

إنه النداء الثاني للذين آمنوا . بصفتهم هذه التي تفردهم من الجاهلية حولهم . وتحدد وظيفتهم وتكاليفهم . وتصلهم بالمصدر الذي يستمدون منه القوة والعون على هذه التكاليف !

( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ، والكتاب الذي نزل على رسوله ، والكتاب الذي أنزل من قبل ) . .

فهو بيان لعناصر الإيمان التي يجب أن يؤمن بها الذين آمنوا . بيان للتصور الإسلامي الاعتقادي :

فهو إيمان بالله ورسوله . يصل قلوب المؤمنين بربهم الذي خلقهم ، وأرسل إليهم من يهديهم إليه ، وهو الرسول [ ص ] وإيمان برسالة الرسول وتصديقه في كل ما ينقله لهم عن ربهم الذي أرسله .

وهو إيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله . يربطهم بالمنهج الذي اختاره الله لحياتهم وبينه لهم في هذا الكتاب ؛ والأخذ بكل ما فيه ، بما أن مصدره واحد ، وطريقه واحد ؛ وليس بعضه بأحق من بعضه بالتلقي والقبول والطاعة والتنفيذ .

وهو إيمان بالكتاب الذي أنزل من قبل . بما أن مصدر الكتب كلها واحد هو الله ؛ وأساسها كذلك واحد هو إسلام الوجه لله ؛ وإفراد الله سبحانه بالألوهية - بكل خصائصها - والإقرار بأن منهج الله وحده هو الذي تجب طاعته وتنفيذه في الحياة . . وهذه الوحدة هي المقتضى الطبيعي البديهي لكون هذه الكتب - قبل تحريفها - صادرة كلها عن الله . ومنهج الله واحد ، وإرادته بالبشر واحدة ، وسبيله واحد ، تتفرق السبل من حولها وهي مستقيمة إليه واصلة .

والإيمان بالكتاب كله - بوصف أن الكتب كلها كتاب واحد في الحقيقة - هو السمة التي تنفرد بها هذه الأمة المسلمة . لأن تصورها لربها الواحد ، ومنهجه الواحد ، وطريقه الواحد ، هو التصور الذي يستقيم مع حقيقة الألوهية . ويستقيم مع وحدة البشرية . ويستقيم مع وحدة الحق الذي لا يتعدد . . والذي ليس وراءه إلا الضلال ( فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ ) .

وبعد الأمر بالإيمان ، يجيء التهديد على الكفر بعناصر الإيمان ، مع التفصيل فيها في موضع البيان قبل العقاب :

( ومن يكفر بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، فقد ضل ضلالا بعيدًا ) . .

وقد ذكر في الأمر الأول الإيمان بالله وكتبه ورسله . ولم يذكر الملائكة . وكتب الله تتضمن ذكر الملائكة وذكر اليوم الآخر ، ومن مقتضى الإيمان بهذه الكتب الإيمان بالملائكة وباليوم الآخر . ولكنه يبرزها هنا ، لأنه موطن الوعيد والتهديد ، الذي يبين فيه كل عنصر على التحديد .

والتعبير بالضلال البعيد غالبا يحمل معنى الإبعاد في الضلال ، الذي لا يرجى معه هدى ؛ ولا يرتقب بعده مآب !

والذي يكفر بالله الذي تؤمن به الفطرة في أعماقها كحركة ذاتية منها واتجاه طبيعي فيها ، ويكفر بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، استمدادا من كفره بالحقيقة الأولى . . الذي يكفر هذا الكفر تكون فطرته قد بلغت من الفساد والتعطل والخراب ، الحد الذي لا يرجى معه هدى ؛ ولا يرتقب بعده مآب !