ثم ختم - سبحانه - قصة قارون ببيان سنة من سننه التى لا تتخلف فقال : { تِلْكَ الدار الآخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرض وَلاَ فَسَاداً } .
واسم الإشارة { تِلْكَ } مبتدأ ، والدار الآخرة صفة له ، ونجعلها . . . خبره ، وجاءت الإشارة بهذه الصيغة المفيدة للبعد ، للإشعار بعظم هذه الدار وعلو شأنها .
أى : تلك الدار الآخرة وما فيها من جنات ونعيم ، نجعلها خالصة لعبادنا الذين لا يريدون بأقوالهم ولا بأفعالهم ظ { عُلُوّاً فِي الأرض } أى : تطاولا وتعاليا فيها { وَلاَ فَسَاداً } أى : ظلما أو بغيا أو عدوانا على أحد .
{ والعاقبة } الطيبة الحسنة ، إنما هى { لِلْمُتَّقِينَ } الذين صانوا أنفسهم عن كل سوء وقبيح .
القول في تأويل قوله تعالى : { تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : تلك الدار الاَخرة نجعل نعيمها للذين لا يريدون تكبرا عن الحقّ في الأرض وتجبرا عنه ولا فسادا . يقول : ولا ظلم الناس بغير حقّ ، وعملاً بمعاصي الله فيها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن زياد بن أبي زياد ، قال : سمعت عكرِمة يقول لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الأرْض وَلا فَسادا قال : العلوّ : التجّبر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مسلم البطين تِلكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُها لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الأرْضِ وَلا فَسادا قال : العلوّ : التكبر في الحقّ ، والفساد : الأخذ بغير الحقّ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مسلم البطين لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الأرْضِ قال : التكبر في الأرض بغير الحقّ وَلا فَسادا أخذ المال بغير حقّ .
قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبَير لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الأرْضِ قال : البغي .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الأرْضِ قال : تعظّما وتجبرا ، ولا فسادا : عملاً بالمعاصي .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أشعث السمان ، عن أبي سلمان الأعرج ، عن عليّ رضي الله عنه قال : إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه ، فيدخل في قول تِلكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُها لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الأرْضِ وَلا فَسادا ، والعاقِبَةُ للْمُتّقِينَ .
وقوله : وَالعاقِبَةُ للْمُتّقِينَ يقول تعالى ذكره : والجنة للمتقين ، وهم الذين اتقوا معاصي الله ، وأدّوا فرائضه . وبنحو الذي قلنا في معنى العاقبة قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة والعاقِبَةُ للْمُتّقِينَ أي الجنة للمتقين .
هذا إخبار مستأنف من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يراد به إخبار جميع العالم وحضهم على السعي بحسب ما تضمنته الآية ، وهذا الحض يتضمن الإنحاء على حال قارون ونظرائه ، والمعنى أن الآخرة ليست في شيء من أمر قارون إنما هي لمن صفته كذا وكذا ، و «العلو » المذموم هو بالظلم والانتحاء والتجبر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم «وذلك أن تريد أن يكون شراك نعلك أفضل من شراك نعل أخيك »{[9194]} ، و «الفساد » يعم وجوه الشر ، ومما قال العلماء هو أخذ المال بغير حق { والعاقبة للمتقين } ، خير منفصل جزم معناه إما في الدنيا وإلا ففي الآخرة ولا بد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.