التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱلۡغَنِيُّۖ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَٰنِۭ بِهَٰذَآۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (68)

ثم شرع - سبحانه - في بيان أقبح الرذائل التي تفوه بها المشركون فقال : { قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً . . . }

والمراد بهؤلاء القائلين : اليهود الذين قالوا : عزير ابن الله - والنصارى الذين قالوا : المسيح ابن الله ، وكفار العرب الذين قالوا : الملائكة بنات الله ، وغيرهم من نحا نحوهم في تلك الأقوال الشائنة .

وقوله : { سُبْحَانَهُ هُوَ الغني لَهُ مَا في السماوات وَمَا في الأرض } تنزيه له - عز وجل - عما قالوا ، في حقه من أقاويل باطلة .

أى : تنزه وتقدس عن أن يكون له ولد ، لأنه هو الغني بذاته عن الولد وعن كل شيء ، وهو المالك لجميع الكائنات علويها وسفليها ، وهو الذي لا يحتاج إلى غيره ، وغيره محتاج إليه ، وخاضع لسلطان قدراته .

قال - تعالى - : { وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً . وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً . إِن كُلُّ مَن في السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْداً . لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القيامة فَرْداً } وقوله : { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بهاذآ } تجهيل لهم ورد عليهم . و { إن } هنا نافية ، و { من } مؤكدة لهذا النفي ، ومفيدة للعموم ، والسلطان : الحجة والبرهان .

أى : ما عندكم دليل ولا شبهة دليل على ما زعمتوه من أن لله ولدا ، وإنما قلتم ما قلتم لانطماس بصيرتكم ، واستحواذ الشيطان على نفوسكم .

وقوله - سبحانه - { أَتقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } توبيخ آخر لهم على جهلهم وكذبهم .

أى : أتقوولن على الله - تعالى - قولاً ، لا علم لكم به ، ولا معرفة لكم بحقيقته ؟ إن قولكم هذا لهو دليل على جهلكم وعلى تعمدكم الكذب والبهتان .

قال الآلوسى : " وفي الآية دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة . وأن العقائد لا بد لها من قاطع ، وأن التقليد بمعزل من الاهتداء " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱلۡغَنِيُّۖ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَٰنِۭ بِهَٰذَآۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (68)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ اتّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيّ لَهُ مَا فِي السّمَاوَات وَمَا فِي الأرْضِ إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ بِهََذَآ أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : قال هؤلاء المشركون بالله من قومك يا محمد : اتخذ الله ولدا ، وذلك قولهم : الملائكة بنات الله . يقول الله منزّها نفسه عما قالوا وافتروا عليه من ذلك : سبحان الله ، تنزيها لله عما قالوا وادّعوا على ربهم . هُوَ الغَنِيّ يقول : الله غنيّ عن خلقه جميعا ، فلا حاجة به إلى ولد ، لأن الولد إنما يطلبه من يطلبه ليكون عونا له في حياته وذكرا له بعد وفاته ، والله عن كلّ ذلك غنيّ ، فلا حاجة به إلى معين يعينه على تدبيره ولا يبيد فيكون به حاجة إلى خلف بعده . لَهُ ما فِي السّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ يقول تعالى ذكره : لله ما في السماوات وما في الأرض ملكا والملائكة عباده وملكه ، فكيف يكون عبد الرجل وملكه له ولدا ؟ يقول : أفلا تعقلون أيها القوم خطأ ما تقولون ؟ إنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهَذَا يقول : ما عندكم أيها القوم بما تقولون وتدّعون من أن الملائكة بنات الله من حجة تحتجون بها ، وهي السلطان . أتَقُولُون على الله قولاً لا تعلمون حقيقته وصحته ، وتضيفون إليه ما لا يجوز إضافته إليه جهلاً منكم بغير حجة ولا برهان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱلۡغَنِيُّۖ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَٰنِۭ بِهَٰذَآۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (68)

{ قالوا اتخذ الله ولدا } أي تبناه . { سبحانه } تنزيه له عن التبني فإنه لا يصح إلا ممن يتصور له الولد وتعجب من كلمتهم الحمقاء { هو الغني } علة لتنزيهه فإن اتخاذ الولد مسبب عن الحاجة . { له ما في السماوات وما في الأرض } تقرير لغناه . { إن عندكم من سلطان بهذا } نفي لمعارض ما أقامه من البرهان مبالغة في تجهيلهم وتحقيقا لبطلان قولهم ، و{ بهذا } متعلق ب { سلطان } أو نعت له أو ب { عندكم } كأنه قيل : إن عندكم في هذا من سلطان . { أتقولون على الله ما لا تعلمون } توبيخ وتقريع على اختلافهم وجهلهم . وفيه دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة وأن العقائد لابد لها من قاطع وأن التقليد فيها غير سائغ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱلۡغَنِيُّۖ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَٰنِۭ بِهَٰذَآۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (68)

والضمير في { قالوا } للكفار العرب وذلك قول طائفة منهم : الملائكة بنات الله ، والآية بعد تعم كل من قال نحو هذا القول كالنصارى ومن يمكن أن يعتقد ذلك من الكفرة ، و { سبحانه } : مصدر معناه تنزيهاً له وبراءة من ذلك ، فسره بهذا النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله { هو الغني } صفة على الإطلاق أي لا يفتقر إلى شيء من الجهات ، و «الولد » جزء مما هو غني عنه ، والحق هو قول الله تعالى { أنتم الفقراء إلى الله }{[6164]} ، وقوله { ما في السماوات } ، أي بالملك والإحاطة والخلق ، و { إن } نافية ، و «السلطان » الحجة ، وكذلك معناه حيث تكرر من القرآن{[6165]} ، ثم وقفهم موبخاً بقوله { أتقولون على الله ما لا تعلمون } ، .


[6164]:- من الآية (15) من سورة (فاطر).
[6165]:- [بهذا] من قوله سبحانه: {إن عندكم من سلطان بهذا} متعلق بمعنى الاستقرار وهو الذي تعلق به الظرف، قال ذلك الحوفي، وتبعه الزمخشري فقال: "الباء حقها أن تتعلق بقوله: {إن عندكم} على أن يجعل القول مكانا للسلطان، والتقدير: إن عندكم فيما تقولون سلطان". وقال أبو البقاء: "[بهذا] متعلق بـ [سلطان] أو نعت له".